يتعرض المدنيون الذين يحاولون الفرار من الجيب المحاصر الذي يسيطر عليه «داعش» في غرب الموصل لنيران قناصة «داعش» والجيش العراقي، أثناء محاولتهم عبور نهر دجلة، وفقاً لشاهد عيان محاصر داخل المدينة مع أسرته.

وأفاد جاسم البالغ من العمر 33 عاما والمقيم غرب الموصل بالقرب من اللواء الخامس، في مقابلة مع صحيفة «اندبندنت»: «أريد النجاة بوالدتي ونقلها إلى الجزء الشرقي من المدينة، لكن الأمر ينطوي على مخاطر».

وأوضح جاسم أن لـ «داعش» قناصة يشرفون بالكامل على ضفة النهر بين الجسرين الخامس والسادس«، مضيفا:»المشكلة أنه حتى في الليل، فإن عملية الهروب تكتنفها صعوبات، فالجيش العراقي والشرطة الاتحادية وقوات مكافحة الإرهاب يطلقون النار على أي شخص مقبل من الجانب الغربي من المدينة، حيث هناك منع تجول خلال الليل، فيظنون القادم من هناك أنه لا بد من أن يكون مقاتلاً من داعش«.

ومتحدثاً عن الإصابات بين المدنيين داخل حيه، يقول جاسم إن»عشرات المدنيين يقتلون كل يوم، بمن فيهم الأطفال«، ويضيف إن ادعاءات وسائل الإعلام الحكومية بأن للجيش العراقي»مدفعية ذكية«، غير صحيحة تماماً. وهو ما يؤكده مسؤولون عراقيون سراً، حيث أفاد أحدهم أن العديد من الإصابات بين المدنيين ناجمة عن صواريخ»توز«الروسية المحمّلة على متن المركبات بدون أنظمة توجيه.

وما رواه جاسم هي واحدة من بضع روايات وصلت من داخل الجزء الغربي المحاصر من الموصل، تصف الظروف المعيشية البائسة باطراد لما لا يقل عن 300 ألف نسمة يحاولون البقاء على قيد الحياة هناك. المقابلة أجريت بواسطة الهاتف المحمول في وقت متأخر من الليل داخل الجزء الغربي من الموصل، وذلك على الرغم من قتل»داعش«لمن يستخدم الهواتف المحمولة للاشتباه بأنهم جواسيس. وكان من الممكن نقل الرسائل الى شرق الموصل حيث للقوات الحكومية السيطرة بعد ثلاثة أشهر من القتال الضاري.

يقول جاسم، مشيراً الى النقص المتزايد في الغذاء:»الناس في حينا يبحثون بين القمامة للعثور على شيء يمكن أكله، ليسدوا رمق أطفالهم«. الخضار والفواكه غير متوفرة منذ أكثر من شهر. أما هو وأسرته، فلديهم القليل من الدقيق والأرز المخزن، لكنهم يريدون الاحتفاظ به كملاذ أخير لإطعام أطفالهم.

وحيثما يتوفر الطعام، فانه غالباً ما يكون مكلفاً جدا أكثر من قدرة معظم الناس على شرائه. ويقول جاسم إنه»حيث تعمل المخابز، يوجد العديد من النساء اللواتي يتسولن لشراء بعض الخبز لأطفالهن. وأن جيرانه يعيشون على الخبز والماء فقط«. وحتى الماء يمكن الحصول عليه بصعوبة لأن المصدر الوحيد له هي آبار الاحياء، أما كلفة الوقود لتشغيل المضخات فهي 15 دولاراً لليتر الواحد بالدينار العراقي.

الكهرباء متوفرة بإمدادات محدودة، وليس في كل المناطق، وفقاً لجاسم الذي يقول»لدينا كهرباء لمدة ساعتين كل ثلاثة أيام«. وينتقل الناس خلال النهار إلى الأحياء الأخرى لشحن هواتفهم.

الجيب الذي يسيطر عليه»داعش«في الموصل، والذي يرتكز على شبكة من الشوارع والأزقة التي لا يمكن اختراقها، يجري قصفها بشدة، والمنطقة خطيرة جدا. لكن الناس ما زالوا يموتون أيضاً في المناطق في شرق الموصل حيث من المفترض أن يكون القتال قد انتهى.

مثال على ذلك، ما حصل أخيراً في شرق المدينة في سوق نبي يونس المسقوف، المليء بالأكشاك والمحلات الصغيرة، والذي كان مزدحماً بالمتسوقين، عندما تعرض لقذائف هاون من قبل»داعش«أسفرت عن مقتل العديد من المدنيين.

وهناك على الأقل 300 ألف شخص محتجزون داخل المنازل في مدينة الموصل القديمة، التي يسيطر عليها»داعش«، ومن المستحيل تمييز المقاتلين عن الضحايا، حيث انهم يحتلون المنازل نفسها التي هي غالباً ما تكون قديمة وبناؤها ضعيف. ويستعر الجدل بشأن مقتل ما لا يقل عن 240 مدنياً، العديد منهم كان مختبئاً في الأقبية، وقد قتلوا بضربة جوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على حي الجديدة في 17 مارس، والتي سوت ثلاثة مبان بالأرض وحولتها الى ركام.

ويقول التحالف انه نفذ ضربات جوية دعت اليها القوات البرية العراقية في تلك المنطقة، لكن وزارة الدفاع العراقية ادعت أن 61 مدنياً فقط قتلوا لأن داعش فخخ جدران المباني التي اتخذوها ملجأ لهم.

ولا يوجد الكثير من الجنود والشرطة العراقية في شرق الموصل، فمعظم وحدات النخبة التي سيطرت على شرق الموصل انتقلت للمشاركة في القتال على الجانب الأقصى من نهر دجلة. حركة المرور مزدحمة، والكثير من المتاجر مفتوحة، ويمكن في بعض الأحيان رؤية عمال بمعدات بناء ثقيلة يملؤون الحفر او يستبدلون انابيب الصرف الصحي التي تمزقت بفعل القنابل أو القذائف.

المهندس المعماري أحمد الذي كان يرتزق أثناء احتلال داعش من خلال بيع السجائر، والذي بسبب ذلك تعرض للجلد مراراً، يقول إن المشكلة الرئيسية تتمثل في نقص الكهرباء والمياه العذبة ما عدا تلك التي يجري ضخها من الآبار. ويوجد الكثير من الفواكه والخضار للبيع في أكشاك الشوارع، لكنها مستوردة من تركيا وباهظة الثمن. أما الرواتب التي تدفع لموظفي الحكومة، الذين يعتبرون أكبر مصدر للعمالة في جميع أنحاء العراق، فقد بوشر بدفعها للتو. وقال أحمد إن سلوك الجيش العراقي على نقاط التفتيش»أفضل 90% مما كان عليه قبل استيلاء داعش على المدينة في عام 2014، لكن إخفاق الحكومة العراقية في توفير الخدمات والرواتب للناس يجعلها مفتقرة الى الشعبية«.

لا يزال هناك ربما شوط طويل أمام حصار غرب الموصل. يقول وزير الخارجية والمالية العراقي السابق هوشيار زيباري:»غرب الموصل لم تتم محاصرته بالكامل بعد، ولا يزال «داعش» يرسل تعزيزات معظمها من آسيا الوسطى«.

ومستشهداً بجنرال عراقي قال إنه لم يكن هناك أي تخفيف لقواعد الاشتباك في سلوك الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة منذ أن أصبح ترامب رئيساً، وهو ما تم تأكيده من قبل مصادر أخرى. الأخبار السيئة للموصل هو أن حصار أي مدينة، يدافع عنها متعصبون مدربون تدريباً جيداً ومندسون بين السكان، يجعل من المحتم بشكل مأساوي أن يتعرض المدنيون لخسائر فادحة في الأرواح.

خطأ تكتيكي

يقول حاكم كركوك نجم الدين كريم في مقابلة مع صحيفة» اندبندنت«: كان من الأفضل لو تمت إزالة ملاذات»داعش«أولاً، والتي بإمكان مقاتليه التراجع إليها عندما تسقط الموصل»، مضيفاً إن نصف محافظة كركوك لا تزال تحت سيطرة «داعش»، بالإشارة بوجه خاص الى منطقة الحويجة. ويفيد أن الموصل في فوضى وهناك انقسامات عميقة.

«على مدى 24 شهراً دربنا أكثر من 51 ألف عنصر من قوات الأمن العراقية وقوات مكافحة الارهاب والبيشمركة والشرطة الاتحادية، ويجب أن تحافظ اميركا على تلك المجموعات حين تتحول الحاجة من الهجوم الى مكافحة التمرد».

أندرو اكزوم

نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لسياسة الشرق الأوسط

إننا سنشهد سقوط الموصل والرقة في غضون 6 أشهر، وأدعو إلى بقاء القوات الأميركية في العراق بعد هزيمة «داعش» على الأرض، على النقيض مما حدث في عام 2011 عندما انسحبت تلك القوات من هناك.

الجنرال ستيفن تاونسند

قائد القوات الأميركية في العراق

تسريع هجوم الموصل قرار أميركي

وفقاً للكاتب باتريك كوكبرن، كان قرار الهجوم على الموصل أولاً، وقبل تطهير عدة مناطق أخرى للتنظيم قراراً أميركياً محضاً إلى حد كبير، وأن حملة الاستيلاء على المدينة بشكل كبير كانت عملية منظمة من قبل الولايات المتحدة، على الرغم من أن قادة الجيش الأميركيين حاولوا إعطاء الانطباع انهم يقومون بدور داعم.

ويقول إن الولايات المتحدة أوجدت أيضا الظروف السياسية للهجوم، من خلال التوسط في اتفاق مع حكومة إقليم كردستان وحكومة بغداد المركزية، وهما كانا لفترة طويلة على خلاف بشأن مساحات من الأراضي، تشمل حقول النفط الواعدة، وقد اقتربت المواجهة بينهما إلى حرب قبل صعود «داعش» في 2014، لكنه يقول إن هذا التعاون بينهما قد يضعف مع تراجع خوفهما من «داعش».

اعتقد أن نهجنا الذي يتطلب أن نعمل من خلال القوات المحلية ومعها وعبرها يحقق نجاحاً. ونحن نتقدم ضد «داعش» في سوريا والعراق.

جوزيف فوتيل

قائد القيادة المركزية الأميركية