أكد الخبراء والاقتصاديون أن قرار المقاطعة الذي فرضته 9 دول عربية وإسلامية على قطر يمثل لحظة استراتيجية فارقة، حيث إن قطر قبل القرار تختلف عما بعده. فكما شكل اكتشاف حقول الغاز الضخمة في عام 1971، وما تابعه من تدفق عائدات بمئات المليارات، علامة فارقة في الاقتصاد القطري.

فإن قرار المقاطعة الذي فرضته 9 دول عربية وإسلامية على قطر بسبب سياساتها المزعزعة للاستقرار ودعمها للجماعات الإرهابية يشكل علامة فارقة لا تقل في أهميتها وتأثيراتها الشمولية عن الأولى.

فقرار المقاطعة لا يقتصر فقط على قطع العلاقات بين القوى الفاعلة في المنطقة والدوحة، وإنما يشمل تداعيات اقتصادية عميقة ستترك آثاراً شمولية على مختلف قطاعات الأعمال، بما في ذلك تدهور شامل في قطاعات اقتصادية رئيسية وانحسار سريع في ثقة المستثمرين المحليين والأجانب في قطر.

الأمر تجاوز الدبلوماسية

ونقلت صحيفة الاقتصادية السعودية عن الدكتور جون ويسكر؛ أستاذ الاستراتيجية الدولية قوله، إن الوضع اختلف الآن وكان صادماً ومفاجئاً لقطر، فالأمر تجاوز الدبلوماسية والسياسة إلى ملعب جديد لم تكن قطر مستعدة له، ولا يمكنها التعامل معه لفترة طويلة نظراً لبنيتها الداخلية، وأعني هنا المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها دول خليجية وعربية وإسلامية على الدوحة.

وأضاف، أن قطر ربما تكون لديها القدرة على المناورة الدبلوماسية، ولكنها لا تمتلك القدرة على القيام بذلك اقتصادياً، والسعي للبحث عن حلول للتغلب على الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها، وستكون جميعها وقتية ومكلفة للغاية وغير طبيعية.

ولا تنسجم مع قواعد علم الاقتصاد والربحية، وستستنزف الجزء الأكبر من احتياطيات الدوحة المالية واستثماراتها الدولية.

مقاطعة وليست حصاراً

كما نقلت الصحيفة عن الباحث الاقتصادي؛ كلارك كوكس قوله إن التأثير الاقتصادي السلبي للعقوبات الخليجية، يبدو واضحاً في محاولة ترويج الدبلوماسية القطرية عبر وزير الخارجية ووسائل إعلام مدعومة من قطر لمصطلح «الحصار»، مدعياً تعرض قطر لحصار غير قانوني من قبل أشقائها الخليجيين.

لكن تلك المساعي القطرية باءت بالفشل حتى الآن، فالموانئ القطرية الجوية والبحرية تعمل دون أن يتعرض لها أحد، كما أن تصوير العقوبات على أنها ترمي «لتجويع» الشعب القطري تصور فاقد للمصداقية، ولا يتفق مع هدف الحظر، فالعقوبات يمكنها أن تترك تأثيرات أكثر خطورة وضرراً بالاقتصاد القطري على الأمد الطويل، ولا تستهدف تجويع القطريين.

وأضاف: «يلاحظ أن الخسائر التي منيت بها البورصة القطرية، تعد من أبرز الأضرار التي أصابت البنية الاقتصادية القطرية حتى الآن، فالتراجع شبه اليومي والكبير في قيمة أسهم الشركات القطرية، يعكس تدهور قدرة تلك الشركات على المنافسة في الأسواق.

بل يتوقع أن يؤدي تواصل الخسائر إلى تخلص المستثمرين المحليين، من حصتهم من تلك الأسهم، وهو ما يجعلني أتوقع أن تعلن بعض تلك الشركات إفلاسها قريباً، إذا لم تتدخل الحكومة القطرية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لإنقاذها».

ويضيف «فشلت بورصة الدوحة حتى الآن في القيام بعملية تصحيح تلقائي، فانخفاض قيمة الأسهم في الظروف الطبيعية يعد في الأغلب عنصر جذب لعديد من المستثمرين الأجانب أو الإقليميين أو المحليين.

ولكن هذا لم يحدث بالنسبة لبورصة قطر، فإذا كان كبار المستثمرين الإقليميين من السعودية أو الإمارات قد أحجموا عن الاستثمار بسبب التزامهم بالعقوبات المفروضة بشكل رسمي، فإن غياب المستثمرين الكويتيين على سبيل المثال، يكشف عن دعم قوي من دوائر الرأسمالية الخليجية للنهج السعودي والإماراتي والبحريني بشأن قطر».

ويضيف «لكن الأكثر خطورة في المشهد الراهن وما يجب أن يقلق السلطات القطرية هو عدم انتهاز المستثمر الدولي أو حتى المحلي وأعني القطري فرصة انخفاض قيمة الأسهم في البورصة، للقيام بعملية شراء واسعة النطاق لتحقيق أرباح كبيرة مستقبلاً، عندما تستعيد تلك الأسهم عافيتها.

وتفسير ذلك إدراك المستثمرين الدوليين والمحليين أن تأثير العقوبات سيكون شديد الوطأة على الاقتصاد القطري في المستقبل، وأنه كلما طالت فترة المقاطعة، فإن تشوهات عميقة ستصيب البنية الاقتصادية لمجتمع في طور النمو، وبعض تلك التشوهات قد يتطلب التغلب عليها سنوات طويلة، ومن ثم فإن استعادة أسهم تلك الشركات لعافيتها قد يكون مشكوكاً فيه».

تراجع الثقة

من جهتها، تعتقد الدكتورة كارولين ديكر؛ أن الخطر الأكبر الذي أصيب به الاقتصاد القطري نتيجة المقاطعة العربية يعود إلى فقدان الاقتصاد الدولي الثقة بقطر ليس كمنظومة اقتصادية فحسب.

وإنما كدولة قادرة على التعايش بشكل مستقر مع محيطها الإقليمي، وهو ما يعرض الاستثمارات الدولية فيها لضغط شديد وعدم استقرار ويرفع من تكلفة الفاتورة الاستثمارية غير المباشرة للمستثمرين الأجانب، نتيجة سعي المستثمرين الدائم للحفاظ على علاقة توازن بين استثماراتهم في الدوحة واستثماراتهم في الإقليم.

وتشير الدكتورة كارولين إلى أن غياب الإقبال الاستثماري على أسهم البورصة القطرية مؤشر خطير على تراجع الثقة بمدى الاستقرار في قطر، حتى من رؤوس المال المحلية سواء كانت لمواطنين أو مغتربين.

وتؤكد أن ذلك سيكون له عديد من التبعات لا تتعلق فقط بالاستثمارات الدولية التي تراقب المشهد عن كثب، فإن لم تفلح قطر في رأب الصدع سريعاً وحل الأزمة الراهنة بشكل جذري.

فإنه يصعب تصور أن تلك الاستثمارات ستواصل نشاطها في قطر، فالتضحية بعلاقاتها مع أسواق أكثر ثراء وكثافة سكانية مثل السعودية والإمارات، للحفاظ بعلاقتها مع الدوحة أمر لا يستقيم وفقاً للمعايير الاقتصادية، موضحة أن المشهد الراهن ينبئ بتطورات خطيرة فيما يتعلق باستثمارات قطر الدولية وتحديداً في المملكة المتحدة.