لم تعد كرة القدم حول العالم مجرد لعبة أو رياضة تمارس من أجل الترفيه أو إضاعة الوقت كما كانت في الماضي البعيد، بل أنها لم تعد أيضا مجرد تجارة رابحة ورائجة تدر الملايين على المتاجرين فيها، بل صارت كرة القدم تتحكم وتقود سياسات دول واقتصاد كيانات، وتتحكم في مقدراتها وقراراتها.
وهذا الأمر لم يكن غائباً عن قطر، الدولة الراعية للإرهاب، عندما بدأت التغلغل في كرة القدم العالمية، ونسجت شباكها على اللعبة بكياناتها المختلفة حتى وصلت إلى أكبر كيان فيها.
واللعبة بدأت قبل سنوات من السعي لاستضافة كأس العالم، عندما بدأت مؤسسات قطر الدخول في زوارق الاتحاد الدولي، فبعد أن كانت قناة الجزيرة الرياضية باسطة يدها على كل الدوريات والبطولات الكبرى في العالم، وذلك قبل أن تتحول إلى «بي إن سبورتس» في محاولة من القناة للخروج من عباءة الجزيرة وادعاء الحيادية وانعدام العلاقة بين سياستها وسياسة الجزيرة وقطر.
دخلت خطوط الطيران القطرية على الخط، وأصبحت راعية للاتحاد الدولي لكرة القدم في خطوة قد تعد إسكاتاً لـ«فيفا» التي على شفير النظر في قضية كأس العالم 2022 والذي تدور حوله الشكوك في طريقة استضافته وتعديل كل اللوائح والأعراف من أجل أن تناله قطر.
بالفعل استغلت المؤسسات القطرية الثقب الأسود في الاتحاد الدولي لكرة القدم، وسيطرت على السويسري جوزيف سيب بلاتر، رئيس الاتحاد الدولي السابق، ونجحت من خلاله في الحصول على كأس العالم 2022.
والذي ثار حوله الكثير من اللغط وقتها وقبلها وبعدها، خاصة من الصحافة الإنجليزية وبصفة خاصة «إندبندنت ودايلي ميل ودايلي تيليغراف»، والذين وجهوا اتهامات واضحة وصريحة للاتحاد الدولي بتلقي رشاوى لتمرير قرارات، وإرساء تنظيم مونديال 2022 على قطر.
ورغم سقوط العجوز بلاتر في فخ الفساد رسمياً، بثبوت التهم وإجباره على ترك الاتحاد الدولي، وانعقاد كونغرس الاتحاد الدولي لاختيار خليفة للسويسري المقال من منصبه بسبب قضايا الفساد، إلا أن جيانيني إنفانتينو أعلن في أكثر من مناسبة بعد انتخابه رئيساً للاتحاد الدولي، أنه ليس بصدد إلغاء اتفاقيات أو معاهدات ما لم يثبت فيها الفساد.
فكان من الجانب القطري أن زاد من حجم الرعاية بدخول الطيران القطري للسباق من أجل كسب ود «فيفا».
الصحافة البريطانية
وقد حاولت الصحافة البريطانية تحديدا في مناسبات عدة إثبات وقائع تورط الجانب القطري مع الفيفا في قضايا رشوة.
إلا أنه لم يثبت قضائيا تورط الجانب القطري بشكل مباشر، عن طريق المستندات والأدلة الدامغة، بالرغم من أن الأدلة المنطقية وتدرج الأحداث بدءاً من رعاية الطيران القطري ثم استئثار شبكة الجزيرة بحقوق البث، كلها أمور تقود إلى تصديق فكرة المؤامرة من البداية ومحاباة الاتحاد الدولي للجانب القطري.
وقالت صحيفة «إندبندنت» إن جريمة «فيفا» الحقيقية ليست ترك تنظيم المونديال لقطر، ولكن تجاهل الشكاوى المتكررة ضد الجانب القطري في مجال حقوق العمال، وجاء ذلك في معرض حديث الصحيفة في وقت سابق عن تكرار حوادث وفاة العمال في مواقع الإنشاءات المتعلقة بكأس العالم 2022.
ورقة توت
وتقف الدوحة الآن متشككة في ظل تساقط أوراق فساد فيفا واحداً تلو الآخر، سواء من خلال التحقيقات السويسرية أو الأميركية، التي تأخذ على عاتقها فضح المؤامرات داخل بيت كرة القدم العالمية، وعلى مدار الأيام تسقط أوراق التوت في قضايا فساد فيفا .
والتي يتعلق جزء منها باستضافة كأس العالم 2022، وآخر أوراق التوت التي سقطت كان القبض على المصرفي الأرجنتيني خورخي ارسواغا، والذي اعترف بمساعدته في تحويل العديد من الحوالات على مسؤولين في فيفا.
وقال خورخي ارسواغا للقاضي الاتحادي باميلا تشن في بروكلين «أشعر بالأسف العميق لما فعلته. أنا أخجل من نفسي وأتمنى أن أجد الكلمات لأعبر عما اشعر به».
وتابع «انا آسف بشدة»، واعترف بالذنب بالتآمر لتبييض الاموال، وهي جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 20 عاما.
وبصفته مصرفيا خاصا في مؤسستين مقرهما في سويسرا، اعترف ارسواغا بمساعدة عميل خاص هو اليخاندرو بورساكو على تحويل رشاوى إلى مسؤولين كرويين.
كما اعترف بورساكو، رئيس مجلس الإدارة السابق لشركة تسويق أرجنتينية، بالتآمر وبأعمال اخرى في عام 2015 مرتبطة بفضيحة الفيفا.
ووافق ارسواغا على دفع اكثر من مليون دولار للحكومة الأميركية في إطار الدعوى، بما يعادل حجم العمولة التي تقاضاها من بورساكو.
حكم
وسيصدر الحكم في قضية ارسواغا في الرابع من يناير 2018، ويتوقع أن يأتي اسم العديد من الهيئات والمؤسسات في القضية.
ومنذ بدء التحقيقات الأميركية في فضيحة الفيفا في مايو 2015، فإن القضاء الأميركي وجه التهم إلى نحو 40 مسؤولا في كرة القدم أو في شركات تسويق تلقوا عشرات الملايين كرشاوى.
واعترف 24 مسؤولا منهم بالتهم الموجهة إليهم ووافقوا على التعاون مع القضاء الأميركي مقابل التساهل في مدة العقوبة. ويصر ثلاثة مسؤولين على البراءة ومن المقرر أن يخضعوا للمحاكمة في السادس من نوفمبر.
وأدت الفضيحة إلى استقالة رئيس الفيفا السابق السويسري جوزيف بلاتر من منصبه ثم إيقافه مع رئيس الاتحاد الأوروبي السابق الفرنسي ميشال بلاتيني الذي كان أقوى المرشحين لخلافته.
المواد الخام
وتواجه قطر أزمة كبرى متمثلة في توقف دخول المواد الخام اللازمة في الإنشاءات والتجهيزات الرياضية، الخاصة باستضافة كأس العالم 2022، وهو الأمر الذي جعل العديد من المشاريع القائمة تتوقف أو تتعطل، سواء لنفاد المواد الخام، أو لغياب الأيدي العاملة الذين هجروا البلاد أو لم يستطيعوا العودة إلى الدوحة بسبب العزلة التي تعانيها البلاد.
وبالرغم من النفي القطري الوارد من اللجنة العليا للمشاريع والإرث إلا أن أغلبها تطمينات على صفحات الجرائد لا أكثر، حيث إن أرض الواقع تؤكد وجود تأخر في الإنشاءات وقد تظهر نتائجه على المدى القريب في تأخر التسليمات وفقا للجداول المسلمة للاتحاد الدولي.
ويقف الاتحاد الدولي متربصاً بالأمر ومنتظراً لأي سقطة قطرية لاتخاذ قرار حاسم بهذا الشأن، وقال رئيس الاتحاد الدولي عند سؤاله عن الوضع الراهن في الدوحة، وإمكانية استضافتها للمونديال: «نحن على اتصال مستمر باللجنة المنظمة، لنعرف آخر التطورات، وأيضا نحن على تواصل مع أطراف الأزمة في منطقة الشرق الأوسط».
وقالت قطر إنها تحاول إيجاد مصادر بديلة لمواد البناء لمشاريع البنية التحتية لكأس العالم، في ردها على تأثير نقص المواد الخام ومستلزمات البناء.
وحتى انطلاقة كأس العالم 2022 كان من المفترض أن تستضيف قطر الكثير من البطولات والفعاليات في مختلف الرياضات الهدف منها تطوير البنية التحتية واكتساب المزيد من الخبرة في التنظيم والإدارة الرياضية، وهي الأحداث التي باتت مهددة بعدم الانعقاد في ظل الأزمة القائمة، والتي لم تتوقف عند كرة القدم فقط ولكنها طالت كل الألعاب.
فمن جهتها أعربت اللجنة الأولمبية الدولية أول من أمس في بيان رسمي عن أملها في ألا تؤثر الأزمة الخليجية على جهود تطوير الرياضة، معربة بدورها عن القلق من الوضع الذي وصلت إليه الدوحة.
* «القطرية» تكمل شباك العنكبوت على «فيفا»
* الصحف البريطانية تعتبر مونديال 2022 جريمة الاتحاد الدولي
* تساقط أوراق التوت يبث الرعب في الإدارة الكروية
* أرسواغا يفضح تحويل رشاوى لمسؤولين كرويين
* انقطاع المواد الخام وتجهيزات البناء تؤخر الإنشاءات
* اللجنة الأولمبية الدولية تعرب عن قلقها إزاء موقف قطر