يكشف الملف القطري يوماً بعد آخر عن تأزم يطال زوايا وأبعاد تهدد على المدى القريب والبعيد واقع الدوحة، وتحضها من منطق العقلانية التعامل مع أزمتها بما يحيل دون غرقها في عزلة أوحش.
وتطالعنا الصحف بأخبار تشير إلى أن قطر قد خفضت إلى حدّ كبير هامش المساعدات والتبرعات الدولية، على الرغم من ارتفاع المساهمات العالمية.
أما على الصعيد السياسي الدبلوماسي، فقد أشار ياروسلاف تروفيموف من صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، إلى أن إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الوقوف إلى جانب قطر الصغيرة الخاضعة لمقاطعة عربية بقيادة المملكة العربية السعودية، قد أدهش عدداً من الجهات في منطقة الشرق الأوسط، لأسباب ليست خافية على أحد.
إلا أن الأزمة القطرية الحالية تتخذ بالنسبة لأردوغان طابعاً شخصياً عميقاً، بحيث إذا سمحت تركيا بسحق التعنت القطري، فإن المسؤولين في أنقرة يخشون أن تحتل إدارة أردوغان المرتبة التالية المرشحة لمواجهة سيف الضغوط الدولية.
وقد حذرت الوكالة الدولية للطاقة من أن استمرار الأزمة بين عدد من دول المنطقة وقطر يعتبر أحد مسوغات «الصداع اللوجستي». وإذ أقرت الوكالة في تقريرها الأخير حول سوق النفط بأن النزاع السياسي لم يؤدِ بعد إلى خلل في التزويد، أشارت إلى وجود مشكلة تشغيلية للشركة المسؤولة عن التنقيب عن النفط القطري الخام والغاز الطبيعي المسال.
وعلى خط لصيق بالأزمة القطرية، تبرز أزمة السيولة التي تعاني منها حركة حماس القائمة على التمويل القطري المدان. وقد كتبت يولاند نيل، لموقع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» تحت عنوان «الخلاف القطري الخليجي يهدد أزمة سيولة في غزة» تقول إن الفلسطينيين يعولون على الحلّ الدبلوماسي للأزمة.
وفي حين تشير تحليلات المراقبين إلى أن التحدي الذي يواجه حاكم قطر قد يتخطى حدود العائلة ويتطور في حال الإمعان في التحدي، لنشهد تأففاً في أوساط كبار القادة والعائلة الحاكمة، علق أحد الدبلوماسيين الغربيين الضالعين في شؤون الشرق الأوسط على المشهد العام بالقول: «قد يكون الأمر أشبه بالانقلاب منه إلى مجلس إدارة مستاء من مدير تنفيذي لم يعد يحقق أرباحاً للشركة».
وقد أبدت السعودية استعدادها لكبح جماح قطر، لا سيما أن الرياض وأبوظبي قد أوضحتا عن جملة المطالب المتوقعة من الدوحة، التي يبدو تميمها أبعد ما يكون عن الامتثال. وفي حين أكد مأمون فندي، المحلل السياسي المقيم في لندن أن قواعد اللعبة قد تغيرت، وأن القيم والشروط التي تحكم العلاقات اليوم طرأت عليها تبدلات جوهرية، تقصي في الوقت الراهن إمكانية الحل القريب، اختصر الوضع بالقول: «قد تخرج العواقب غير المقصودة للأزمة عن نطاق السيطرة».
ويجدر ربما الاختتام مع رأي سنام فاكيل، الباحث من برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في «تشاتهام هاوس» الذي قال لا تملك قطر مروحة خيارات في هذا الإطار، إذ لا بد من اتخاذ إجراءات تحفظ ماء الوجه، في وقت قد يبدو الاستسلام السريع مؤشر ضعف.