عملت قطر على اختراق دول شمال أفريقيا بأجهزة تنصت وتجسس تدير أحزاب ومنظمات قريبة منها، وتشير تقارير أمنية إلى أن السلطات القطرية كانت منذ العام 2011 وراء تمكين جماعات الإسلام السياسي من تقنيات حديثة ومتطورة قادرة على رصد هواتف المنافسين السياسيين وتحركاتهم واختراق مواقعهم وصفحاتهم الإلكترونية، وأن هذا الإجراء شمل بالأساس مصر وليبيا وتونس.
وقال الناطق باسم القوات المسلحة الليبية العقيد أحمد المسماري، إن قطر تعتمد على التنصت والجوسسة في بث الخراب داخل التراب الليبي، من خلال تجنيدها لعملاء وتمكينهم من أدوات متطورة لاختراق الأجهزة الحكومية، مشيراً إلى أنه تم الكشف عن عدد من عملاء المخابرات القطرية، الذين تورطوا في التنسيق مع الجماعات الإرهابية والمليشيات المسلحة الخارجة عن القانون في ليبيا.
وأكدت مصادر ليبية أن الدوحة مكنت حلفاءها في ليبيا وبخاصة جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة الإرهابيتين، وأمراء المليشيات المسلحة، من غرف مراقبة وتسجيل للاتصالات الهاتفية، والتجسس على القوى المعارضة للتدخل القطري، وأن عمليات التنصت طالت قيادات من الجيش الوطني الليبي الذي تعتبره الدوحة عدوها اللدود في ليبيا، ما جعل العاصمة طرابلس تتحول إلى ساحة مكشوفة للاستخبارات القطرية.
وأشارت تقارير إعلامية إلى رصد نشاط محموم في مجال التجسس بين المليشيات والجماعات المسلحة، ومن ذلك تخصيص أجهزة «فليكس سباي» قادمة من الدوحة، لرصد تحركات ضباط ووحدات القوات المسلحة بقيادة المشير خليفة حفتر، وبالتحديد في مدن أجدابيا ودرنة وبنغازي، وتتبع وحدة مراقبة تابعة لجماعة الإخوان في مصراتة، ومنها يجري ضخ المعلومات إلى وحدة أخرى في طرابلس تابعة لقيادي في الجماعة المقاتلة التي يتزعمها عبد الحكيم بلحاج. كما رصدت المخابرات الليبية، وفقاً للتقارير ذاتها، عملية إعادة بث المعلومات التي يجري الحصول عليها من ضباط في الجيش، لصالح أجهزة استقبال في العاصمة القطرية.
غرف تنصت في تونس
وفي تونس، كان تهامي العبدولي زعيم حزب الحركة الوطنية، وزير الدولة السابق للخارجية، أعلن عن تحديد موقع لقاعة تنصت على الشخصيات السياسية والإعلامية والنخب التونسية تابعة لحزب سياسي، في إشارة منه لحركة النهضة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان في تونس، مضيفاً أن القاعة تم إنجازها بتمويل قطري وهي تمارس التجسس خارج إطار الدولة.
ويخشى التونسيون من أن تكون معطياتهم الشخصية تحت سيطرة قطر عبر شبكة «أوريدو» للهاتف النقال التي سبق أن طالب ناشطون بمقاطعتها نظراً لمخاطر سيطرة مؤسسات قطرية على سوق الاتصالات بتونس.
وفي أوائل يونيو الحالي، كشف النائب البرلماني والقيادي في نداء تونس منجي الحرباوي، ما سماها القضية المسكوت عنها منذ سنة 2015 بعد طي الملف القضائي بتدخل من جهات نافذة في جسم الدولة، تقوم على تورط أطراف تونسية، بينهم عسكريون في عمليات جوسسة مع أطراف خارجية أبرزها القطري علي سالم الجربوعي الذي يشغل خطة عميد بالجيش القطري، وهو مكلف بمهمة «ملحق عسكري بشمال أفريقيا»، لدى المخابرات القطرية، ويشرف على أعمالها في موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا، من دون أن تكون له أيّ صفة دبلوماسية. وقال الحرباوي إن هذا الرجل الغامض والخطر كان على علاقة مباشرة بقائد أركان القوات المسلحة القطرية حمد بن علي العطية، كما أفاد بأنه على صلة وثيقة بأجهزة مخابرات غربية.
أدوات جوسسة في الجزائر
وفي الجزائر، ضبطت الجمارك الجزائريّة بمطار هواري بومدين في ديسمبر 2015 أجهزةً حساسة يُمكن استخدامها في عمليات تجسس، قادمة من قطر، ويتم التحقيق في البلد الحقيقي الذي تم فيه صنعها.
وخلال عملية تفتيش الأمتعة المشبوهة، تم العثور على طرود داخل حقائب كبيرة الحجم، تحتوي على 500 جهاز صغير، وهي عبارة عن أقلام من نوع رفيع مزود بكاميرات مراقبة لا يزيد حجمها عن سنتيمترين، وآلات تصوير مدون عليها «mimi dv»، وأجهزة «درونز» وهي عبارات عن طائرات صغيرة دون طيار تستعمل في عمليات التجسس، مزودة بآلات تصوير عالية الدقة تقوم بالتقاط الصوت والصورة أين ما حلقت. وكشف التحقيق مع الموقوفين، أن هذه الأجهزة الحساسة التي تم جلبها من قطر، كانت موجهة إلى أشخاص من الجزائر العاصمة وسطيف وعدد من ولايات الصحراء.
وكان ثروت الخرباوي القيادي المنشق عن جماعة الإخوان في مصر، تحدث لـ«البيان» عن شبكة تجسس على الهواتف الأرضية والمحمولة «ألمانية الصنع»، قدمتها الدوحة للإخوان في فترة حكمها بمصر، واستقدمت خبراء ومهندسين أتراك لتشغيلها، وكشفتها المخابرات المصرية وحطمتها وخربتها، وهذا ما كان يقصد به خيرت الشاطر عندما قال «إحنا بنعرف دبة النملة».
«الجزيرة» تتجسس
منذ بداياتها وقناة «الجزيرة» تمارس إعلامها التحريضي إلى جانب وظائف أخرى من بينها التجسس على الدول والحكومات والشخصيات، والعمل على استدراج الشخصيات المؤثرة للعمل ضمن فرقها أو دعوتها إلى الدوحة للمشاركة في البرامج التحليلية أو الندوات الفكرية لتقع من هناك فريسة سهلة في أيدي المخابرات القطرية. ومنذ أواخر 2010 قامت القناة القطرية بأدوار تخريبية في دول شمال أفريقيا وخاصة في مجالات نشر الأخبار الزائفة وتزوير الصور والأفلام وترويج المعلومات الكاذبة والتحريض على العنف والفوضى باسم ما سمي ثورات الربيع العربي، والتجسس على الفاعلين السياسيين والاجتماعيين وعلى المؤسسات الحكومية والأجهزة السيادية للدول، وخاصة ليبيا ومصر وتونس، ففي يوليو 2013، وصف الإعلامي المصري إبراهيم عيسى قناة «الجزيرة» والعاملين فيها بالصهاينة، وقال إن الجزيرة وما تفعله هو تعبير عن كينونة صهيونية دولية، وهي أكبر من قطر وأهم من الأمير تميم بن حمد والإمارة نفسها. وأكد عيسى أنه تعرض لمواقف مع هذه القناة تؤكد أنها تقوم بالتجسس على مصر، مشيراً إلى أنها قامت بعدة تحولات لتوهم الشعب المصري بأنها قناة وطنية وتقوم بتحقيق الهدف الذي قامت من أجله، داعياً الشعب المصري إلى عدم الاعتماد على «الجزيرة» كونها مصدراً للمعلومات.
وفي يناير الماضي أمرت نيابة أمن الدولة العليا بالقاهرة، برئاسة المستشار خالد ضياء، المحامي العام الأول للنيابات، بحبس ريم قطب بسيوني جبارة، عضو بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، 15 يوماً على ذمة التحقيقات، وذلك فور وصولها قادمة من تركيا، وبحوزتها طائرة تجسس. وأضافت المصادر أن المتهمة تعمل في قناة الجزيرة، وتم إعدادها وتأهيلها من خلال دورات تدريبية على استخدام طائرات التجسس والتصوير، لاستخدامها في تصوير الأحداث وإرسالها للقناة في العاصمة القطرية الدوحة.
تحقيق
وأشارت المصادر إلى أن المتهمة تم التحقيق معها في نيابة أمن الدولة، بخلاف التحقيق مع محمود حسين جمعة، مدير المراسلين بالمقر الرئيسي لقناة الجزيرة بالدوحة، المحبوس على ذمة التحقيقات، لاتهامه ببث وإشاعة أخبار وبيانات كاذبة، تستهدف إثارة الفتن والتحريض ضد مؤسسات الدولة وإشاعة حالة من الفوضى من خلال بث الأخبار الكاذبة وإعداد التقارير الإعلامية والمقالات والأفلام الوثائقية المفبركة.
وكشفت المصادر أن عودة ريم قطب عضو التنظيم الدولي، تأتى في إطار تجهيز القناة القطرية لإعداد تقارير وفيديوهات مفبركة، تمهيداً لبثها تزامناً مع ذكرى ثورة 25 يناير، في إطار خطة القناة القطرية، لإنتاج عشرات الفيديوهات المفبركة، وعرضها على الرأي العام باعتبارها مشاهد آنية وتحدث في الوقت الراهن، في إطار خطة التعبئة التي تنتهجها القناة القطرية المشبوهة ضد الدولة المصرية.
وأشارت المصادر إلى أن المتهمة تلقت تعلميات بالعودة إلى مصر، عقب القبض على معد بالقناة، بعد عودته من قطر لإنتاج تقارير وأفلام ومواد إعلامية، يتم بثها عبر قنوات الإخوان، التي تبث من تركيا وقطر، بسبب فشل مخطط عودة أي من العاملين في القناة من قطر، وذلك لورود أسمائهم في التحقيقات، وخشية القبض عليهم.
تواصل ملغّم
يشير مراقبون إلى أن قطر تعتمد في عمليات تجسسها على دول المغرب العربي على مواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، حيث تكلف فرقاً متخصصة بتكوين صفحات مزورة ومجهولة للهوية لرصد كل ما ينشر ضمن الفضاءات المناوئة لمشاريع الدوحة وحلفائها في المنطقة، والرد عليها عبر الجيوش الإلكترونية، واختراقها إذا لزم الأمر. كما تقوم باستدراج بعض العناصر من تلك الصفحات، بهدف تجنيدهم للانضمام إلى الخلايا الإلكترونية التي عادة ما تكلف باستهداف دول بعينها وخاصة دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والأحزاب أو الشخصيات أو وسائل الإعلام المحلية التي لا تتماشى توجهاتها مع توجهات حكام قطر.