على سلم الإرهاب تدرج الليبي عبد الحكيم بلحاج، منذ أن وطأت قدماه أرض أفغانستان في 1988، التي وصلها بدعوى المشاركة في الجهاد والقتال ضد روسيا، وهناك قاتل إلى جانب أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة السابق، وأسس برفقة عدد من المقاتلين الليبيين في مطلع التسعينيات ما عرف باسم «الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة»، ذراع تنظيم القاعدة في ليبيا، وبعد سقوط كابول، ترك بلحاج أفغانستان، وأقام في 4 دول هي السودان وباكستان وتركيا وقطر.
وفي عام 1995 عاد إلى ليبيا، وبدأ في إعادة ترتيب أوراق «الجماعة» وتدريبها في مناطق الجبل الأخضر، الجبلية للتجهيز للجهاد ضد النظام الليبي السابق ثم عاد لأفغانستان، حيث تم اختياره أميراً للجماعة الإرهابية التي تتدرب في افغانستان وتنوي القتال في ليبيا.
بلحاج وجدت فيه قطر أداة جيدة لتنفيذ أجندتها، حيث مدته بالدعم المادي والمعنوي، ومنحته مساحة واسعة في كافة وسائلها الإعلامية وعلى رأسها قناة الجزيرة التي روجت له، وعملت على تقديمه قائداً ثورياً ساهم في تحرير ليبيا من نظام القذافي.
في حلقته التي بثت أول من أمس، فتح برنامج «سفراء الظلام» الذي تقدمه قناة دبي، التابعة لمؤسسة دبي للإعلام، ملفات بلحاج الذي اتسم بسجل أسود يفيض تطرفاً وإرهاباً، حيث يعد واحداً من عتاة الإرهاب في ليبيا، وهو المعروف بالاسم الحركي «عبد الله الصادق».
حلقة البرنامج التي قدمها الإعلامي محمد سالم، استضافت كلاً من العميد أحمد المسماري، الناطق باسم القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، وحمد الكعبي، نائب رئيس تحرير جريدة الاتحاد، والدكتور طارق فهمي، استاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية في القاهرة، والذين أكدوا على مساعي قطر ودورها الإرهابي في إفشال كافة المحاولات الساعية لفرض الاستقرار على الساحة الليبية، مشيرين إلى طبيعة الدور الذي لعبته قطر في نقل مسلحي داعش بين سوريا وليبيا، ودعمها الواسع لعبد الحكيم بلحاج، الذي سلمها أرشيف المخابرات الليبية الذي يضم أسرار الدولة الأمنية، هدية خالصة منه لدعمها له.
زعيم الظلام
«الأوراق والثوابت الحقيقية على الأرض، هي التي تتحدث عن الإرهابي عبد الحكيم بلحاج، والذي نتعرف عليه من خلال بطاقة البيانات الشخصية الواردة من إدارة الأمن الداخلي في ليبيا، والتي تبين إنه من أوائل الليبيين الذين التحقوا مبكراً بدعوة الجهاد في أفغانستان لمحاربة روسيا عام 1988»، بهذا التعبير بدأ العميد أحمد المسماري، حديثه عن الإرهابي بلحاج، والذي وصفه بـ «زعيم الظلام»،حيث قال: بلحاج يستحق لقب زعيم الظلام، فهو أحد الذين أسسوا جماعة «سرايا المجاهدين» أثناء تواجده في أفغانستان، وتنقل بعدها بين عدة دول بحثاً عن أدوار جهادية جديدة بحسب ما يعتقد، حتى وصل في 2004 إلى بانكوك حيث اعتقل وسلم إلى أميركا.
وأشار المسماري إلى أن بلحاج تسلم في 1995 إمارة تنظيم سرايا المجاهدين، واستطاع الدخول إلى ليبيا، وقام بتشكيل الجماعة الإسلامية المقاتلة، وأكد مشاركته في العمليات المسلحة ضد الجيش الوطني الليبي والشرطة في مدينة درنه، ومساهمته في قتل أكثر من 173 رجلاً من الشرطة خلال الأحداث التي اجتاحت المدينة.
وقال: «قاد بلحاج تنظيمه وحوله إلى شبكة دولية، حتى قبض عليه في بانكوك، وتم تسليمه بعد ذلك إلى ليبيا، حيث احتجز في سجن أبو سليم، الذي خرج منه في 2010، بعد تعهده بترك السلاح والأفكار الإرهابية، وتم فيما بعد اكتشاف أن عملية خروجه من السجن كانت مؤامرة، من أجل الانقلاب على نظام القذافي، والشعب الليبي.
تنقل
المسماري، بين أن خطورة بلحاج تتمثل في قدرته على التنقل بين دول العالم. وقال: «خلال 2004 وما قبلها تنقل بلحاج من باكستان وافغانستان والسودان وقطر وايران وماليزيا وتايلند والصين، وهذا يدلل على وجود ارتباط بينه وبين جماعات ودول إرهابية أخرى، من بينها الدوحة التي تبنت مثل هذه الأفكار، وروجت لها من خلال ما يسمى بـ «الربيع العربي».
وفي رده على سؤال حول طبيعة العلاقة التي تربط بين بلحاج وجماعة الإخوان، وان كان قد اتخذ منها منبراً لشهرته أم أن الجماعية اتخذت منه أداة لضرب استقرار ليبيا؟ قال المسماري:مع انطلاقة ثورة 17 فبراير 2011، تحالف بلحاج بشكل مباشر مع جماعة الإخوان، ومرد ذلك كان لعدم قدرته على تقديم نفسه قائداً لثورة 17 فبراير، وبالتالي فقد كان يتطلع إلى وجه سياسي غير معروف لدى الليبيين، فكانت علاقته مع الإخوان الذين جاؤوا من الخارج لقيادة العمليات السياسية والعسكرية، بدعم وفتاوى من دول وشخصيات بعينها، واستطاع من خلال ذلك خداع الشعب الليبي، خاصة وأن الثورة الليبية كانت بحاجة انذاك إلى قوة عسكرية مدربة بشكل جيد.
تدوير إرهابيين
التدخل القطري في ليبيا، لم يكن قاصراً على دعم بلحاج وبقية الجماعات الإرهابية هناك، وإنما امتد نحو احترافها لعملية نقل مسلحي داعش بين سوريا وليبيا، وفي هذا الصدد، قال حمد الكعبي:قطر ومنذ بداية الأزمة الليبية، استطاعت أن تستثمر بشكل جيد الميدان الليبي، وتمكنت من تدمير الشعب والدولة الليبية بالكامل.
وأضاف:قيام قطر بعملية تدوير مسلحي داعش بين سوريا وليبيا، يعد أمراً طبيعياً، فهي تسعى لأن تعيدهم نحو المربع الأول الذي انطلقوا منه، حيث تسعى قطر جاهدة لضرب أي اتفاق يتم داخل الحكومة الليبية من أجل تحقيق الاستقرار.
وأشار الكعبي في حديثه إلى أن ما تقوم به قطر من ممارسات على الأرض الليبية، يعد عملية تصفية حسابات مع القذافي، الذي ارتبط باتفاق واضح مع نظام الحمدين لاغتيال الملك السعودي عبد الله آل سعود، رحمه الله.
من جانبه، علق الدكتور طارق فهمي، على إعلان النائب الليبي العام أخيراً، حول إصدار مذكرات اعتقال بحق عدد كبير من الإرهابيين.
وقال: أعتقد أنه سيكون هناك استجابة دولية لمطلب النائب العام الليبي، وسنشهد خلال الفترة المقبلة تحركاً إقليمياً وحتى دولياً لإصدار مذكرات اعتقال بحق العشرات من الأسماء الإرهابية المتورطة في أحداث العنف داخل ليبيا وخارجها.
وقال: «هناك إصرار قطري واضح على فصل منطقة الجنوب في ليبيا عن جسد الدولة الليبية، وإقامة كيان فيها، ليكون مدخلاً مباشراً لها لدول مثل تشاد والنيجر ومالي».