مع نهاية تنظيم داعش في العراق وسوريا فإن العالم يترقب معركة أخرى لا تقل شراسة وتحديًا عن معارك التحرير وهي معركة تطهير عدد من البلدان من خلايا الإرهاب النائمة، حيث تقوم استراتيجية التنظيم الآن على التحول من التمسك بالأرض إلى منظمة سرية تنفذ عمليات انتحارية إرهابية في عواصم دولية وعربية بالاعتماد على الخلايا النائمة سيما ما يتعلق بـ«الذئاب المنفرة».

ويؤكد محللون أنها ليست خلايا نائمة، وإنما هي عبارة عن خلايا متأهبة تنتظر الضوء الأخضر لساعة تنفيذ جرائمها، فتنظيم داعش لم يعد يحتاج إلى إرسال عناصره إلى أوروبا والغرب بقدر ما يراهن على أنصاره ومؤيديه في الداخل، وهنا يكمن التحدي لدى أجهزة الاستخبارات في العالم لمواجهة هذا الخطر عن طريق التنسيق الأمني بتبادل المعلومات، حيث إنه بعد معركة الميدان ستأتي معركة الاستخبارات والمعلومات وهي المعركة الأمنية المقبلة.

فتح جبهات داخلية

الخلايا النائمة رغم كونها مصطلحا جديدا دخل عالم الحروب السرية كونها من الصعب معرفة عددها وعدتها. بحيث تعمل على فتح جبهات داخلية، وتسهل عملية تقدم الجهة التي يعملون معها، وغالبًا لا يوجد هيكل تنظيمي للخلايا، فالتوصّل إلى خلية لا يسهل كشف بقية الخلايا، فهي تتوزع داخل مؤسسات ومراكز حيوية لكل واحد مهمة، وهي أشد فتكًا من القوات العسكرية.

ويؤكد محللون أن الإرهاب في العراق لن ينتهي بتحرير المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش، بل سيتحول من المواجهة العسكرية المباشرة إلى عمليات مسلحة تنفذها خلايا نائمة في مناطق متفرقة من البلاد. وبات الخطر الأكبر والتحدي الأصعب هو تغلغلها من جديد في المدن المحررة، وخير دليل على ذلك ما حدث أخيراً في الساحل الأيسر لمدينة الموصل فبعد إعلان تحرير الساحل بأكمله وتطهير أغلب أحيائه أوعز التنظيم لخلاياه النائمة بتنفيذ هجمات منها انتحارية ومنها مواجهات وخلفت العديد من الضحايا.

عراقيل

معوقات كثيرة تواجه الأمنيين في العراق في مكافحة الخلايا النائمة، أبرزها قلة الخبراء وحالات النزوح الكبيرة، الأمر الذي يسبب صعوبة في إحصاء أعدادهم وأسمائهم وتبعياتهم، ويوقف نجاح القوى الأمنية، لذلك كان لابدَّ من إيجاد حلول للعمل على ضبط الوضع الأمني، وجمع المعلومات الأمنية عن الأشخاص المشبوهين، حتى تتمكن القوى الأمنية من القضاء على الخلايا النائمة بشكل كامل. وراجت أيضا مسألة الخلايا النائمة في ليبيا عقب هزيمة تنظيم «داعش» في سرت، حيث أشارت تقارير الى فرار عدة عناصر من المدينة وتواريها في عدة مناطق. وهو ما يؤكد أن هذه الخلايا تنتشر بصفة خاصة في المناطق التي تعاني من الخلل الأمني والفوضى فهي تستثمر وجودها في مثل هذه البيئة بحثا عن حواضن.

ويكون خطر الإرهاب أكبر في الأيام المقبلة بسبب الحواضن التي تحمل الفكر المتطرف، لذلك على الأجهزة الأمنية عبر العالم القيام بهجمات استباقية لتدمير أوكار الخلايا الإرهابية وتفعيل دور المخابرات في كشف هذه الخلايا نظراً لصعوبة تتبعها أو القبض عليها، وسهولة تخفّيها خاصة أن مواجهة تلك الجماعات التي تعمل بصورة لامركزية أصعب على الجهات الأمنية من مواجهة كيانات تنظيمية تعمل بشكل مركزي ومن ثم منع مثل هذه الهجمات أمر شديد الصعوبة ما لم تكن لدى السلطات معرفة بتكتيكات واستراتيجيات وطرق تعامل مع هذه الخلايا والمنظمات الإرهابية.

منظمة سرية

تقوم استراتيجية تنظيم داعش الآن على التحول من التمسك بالأرض إلى منظمة سرية تنفذ عمليات انتحارية إرهابية في عواصم دولية وعربية بالاعتماد على الخلايا النائمة. فما عاد تنظيم داعش يحتاج إلى إرسال عناصره إلى أوروبا والغرب بقدر ما يراهن على أنصاره ومؤيديه في الداخل، وهنا يكمن التحدي لدى أجهزة الاستخبارات. بعض الباحثين في مكافحة الإرهاب يقولون إننا نحتاج أكثر من جيل للتخلص من التطرف والإرهاب في أوروبا، فالمشكلة اليوم في وجود العديد من شبكات العمل التي تنشط داخل دول أوروبا لترتيب عمل الأفراد الذين يريدون الالتحاق بالتنظيمات المتشددة وتأمين أوراق سفرهم من أجل الالتحاق بتنظيم داعش، رغم تشديد الإجراءات عند الحدود والمطارات. وما يزيد المشهد تعقيدا أن أغلب عناصر تنظيم داعش حصلوا على الخبرات وشارك معظمهم في عمليات قتالية، وهذا ما يرجح احتمالات وقوع عمليات إرهابية في أوروبا رغم حالة الاستنفار والتأهب.

انتشار الإرهاب بصورة غير مسبوقة أتاح للخلايا النائمة الفرصة للتحرك في الخفاء لوجود البيئة المتاحة لتنفيذ مخططاتها عن طريق أفكار تتعلق أحيانا بالدين او المذهب او السلطة، وآلية مكافحة هذه الجماعات المتطرفة تكون بالعديد من الوسائل وأولها تطبيق خطة أمنية واضحة إضافة إلى تطبيق خطة إرشادية عن طريق وسائل الإعلام، وعن طريق وزارة الأوقاف من خلال استخدام المنابر لإرشاد الشباب إلى الطريق الصواب والابتعاد عن طريق الظلام.

مواجهة التواصل الاجتماعي

وأضحت مواقع التواصل الاجتماعي فضاءًواسعا ومتشعبا قد يؤجج من مشاعر الخوف والكراهية ويشوه الواقع، من حيث زخم محتواهم وتجدده، فالجماعات الإرهابية فطنت إلى أهمية هذه المواقع وأيضا استعمالها المفرط في كثير من الأحيان من طرف الشباب، و لعل هذه الجماعات دخلت في حرب إلكترونية ضد الدول والأفراد، من خلال القرصنة الإلكترونية والتعبئة والاستقطاب وهذا الأسلوب قد استخدم سابقا لا سيما من قبل تنظيم القاعدة بمختلف أجياله، فالأحداث الدامية المتلاحقة في المنطقة وانتشار الإرهاب بصورة غير مسبوقة أتاح للخلايا النائمة الفرصة للتحرك في الخفاء لوجود البيئة المتاحة لتنفيذ مخططاتها عن طريق أفكار تتعلق أحيانا بالدين أو المذهب أو السلطة أو إيجاد الفرصة للانقضاض على الحكم.

الخلايا النائمة تعمد بشكل كبير إلى الفتنة وهي أشد فتكا من النشاط العسكري لتنظيم داعش لأنها قوات سرية متخفية بملابس مدنية حيث تتواجد في فروع التنظيمات الإرهابية مثل «جماعة الإخوان أو حزب الله أو داعش أو القاعدة وغيرها» لتنفيذ أجندات خارجية، وغالبا ما تتواجد هذه الخلايا في مناطق التوترات السياسية أو التهديدات وتتوزع على مناطق سكنية مختلفة ليسهل عليهم العمل من خلالها دون أن يشعر بهم أحد. واحيانا تكون تلك الخلايا تحت أغطية مختلفة كالمؤسسات الدينية واتحادات الطلبة والمراكز الثقافية والمراكز الخيرية.

الخطر في أوروبا

يؤكد محللون أن أوروبا هي القارة التي تحتضن بشكل كبير الخلايا النائمة لأن هناك عددا كبيرا من المقاتلين الأجانب ينتمون لجنسيات مختلفة من دول أوروبية في تنظيم داعش في سوريا والعراق وليبيا، وعندما يعودون إلى بلدانهم الأصلية متشبعون بالأفكار المتطرفة فليس مستبعدا أن يتحولوا إلى ذئاب منفردة ويكونون خلايا تابعة لتنظيم داعش.