كان التنظيم الإرهابي «داعش» سبباً أساسياً في نزوح آلاف المدنيين من العراق هرباً منه ومن الحرب الدائرة لطرده.

ولكن بعد تحرير المدن العراقية من التنظيم تتجه الأنظار إلى كيفية إعادة توطين النازحين وإرجاعهم إلى بلداتهم ومدنهم التي تركوها وفروا.

حيث إن نصف النازحين لم يعودوا إلى منازلهم حتى الآن، حيث تسببت عمليات النزوح التي رافقت العمليات العسكرية للقوات المشتركة على المدن والمحافظات المختلفة، في خلو قرى بكاملها من السكان. وهو ما يزيد من احتمالات ظهور تنظيمات إرهابية جديدة في المنطقة بعد القضاء على «داعش» حيت تسعى إلى احتلال المناطق التي يرفض النازحون العودة إليها.

ومن الواضح أن تفادي الفشل في إعادة تأهيل العراق ما بعد «داعش»، سيكون تحدياً كبيراً صعب التغلب عليه، وهناك عدة أسباب حالت دون عودتهم، من أبرزها رفض الميليشيات إعادتهم لمدنهم التي تسيطر عليها، وانعدام الخدمات أو عدم رفع مخلفات الحرب .

لكن هناك تخوفات من عودة تنظيم داعش إلى المناطق المحررة في حال عدم إسكانها مجدداً حيث أجرت «البيان» استطلاعاً حول كيفية سد الثغرات أمام تنظيم داعش لضمان عدم احتلاله مجدداً المناطق العراقية المحررة، حيث أعلن عدد من المحافظين وضع خطط عاجلة لإعادة إسكان هذه المناطق وبعث المشاريع التنموية والإعمار وعودة النازحين إلى مناطقهم والبدء بحملة بناء المناطق المدمرة التي تضررت بسبب الأعمال العسكرية والأمنية التي شهدتها بعض المحافظات العراقية والقيام بالتسهيلات اللازمة حيث يتم أيضاً بحث إعادة إدماج أقارب مسلحي تنظيم داعش في المجتمع العراقي على اعتبار أنهم لا ذنب لهم في ما اقترفه أقاربهم.

ويؤكد البعض أن نهاية المعارك الكبرى مع تنظيم داعش، لا تعني انتهاء الأزمة. فالعراق يواجه حالياً تحديات كبيرة تحاول القيادة العراقية تفكيك ألغامها ولا سيما أزمة النازحين، كما أن التهديد الإرهابي سيستمر، ويمكن أن ترتفع وتيرته وخصوصاً قبل الانتخابات المقبلة، فالخوف يبقى من التفجيرات الإرهابية، والعمل على الوتر الطائفي قبل الانتخابات المقبلة، وهو ما يعتبر تحدياً أيضاً للحكومة للتعامل مع الجيوب بحزم لكي لا يستثمر تنظيم داعش الوضع للعودة إلى احتلال المناطق المحررة.

الخوف

ووفقاً لإحصاءات حكومية فإن 3.2 ملايين نازح عادوا إلى منازلهم في مناطقهم المحررة، فيما لا يزال 2.6 مليون شخص قابعاً في مخيمات ومعسكرات غربي وشمالي البلاد في ظروف إنسانية صعبة للغاية، ولا يريدون العودة.

حيث إن الخوف من عدم الاستقرار في المكان لا يزال العقبة الأكثر تأثيراً في العودة. وبعكس الوعود المتكررة من قبل الحكومة بالاهتمام بالنازحين، إلا أن هذه الوعود لم تقنع النازحين في ظل انتشار مكاتب الميليشيات الطائفية التي استغلت الحرب على تنظيم داعش للانتشار في المدن المدمرة، كما أن حالة من عدم المبالاة بخصوص رفع الألغام والمتفجرات من مدنهم وتطهيرها ما زالت مستمرة، وتمنع عودتهم في مدن ومحافظات أخرى وهناك مناطق كثيرة سوّيت بالأرض ولا يوجد فيها بناء وهذا ما يدفع النازح إلى أن يفكر في بدائل أخرى غير العودة لمنطقته المدمرة والمليئة بالميليشيات.

وأكد مسؤول عراقي لـ« البيان »، رفض الكشف عن هويته، أن ملف إعادة النازحين إلى مدنهم الأصلية يحتاج إلى وقت طويل وتنسيق عال مع كافة الجهات المعنية، فضلاً عن أهمية تأمين إعادة الاستقرار وعودة الحياة الطبيعية إلى تلك المدن، مشيراً إلى وجود بعض المشاكل المجتمعية والأمنية في تلك المناطق التي تؤدي إلى تأخير عودة النازحين إلى بعض تلك المناطق.

وأضاف أن الميليشيات ترفض إعادة سكان ست بلدات شمالي وغربي ووسط العراق إلى منازلهم، من أبرزها مدينة جرف الصخر ويثرب والعويسات وبيجي ومناطق متفرقة بحزام بغداد، وتتخذ من مدنهم مقار لها، وتقدّر أعداد تلك العوائل بمئات الآلاف، يتوزعون بشكل غير منتظم بين مراكز إيواء النازحين، وبين السكان الاعتياديين في محافظات أخرى باعتبارهم عوائل خرجت من مدنها الأصلية بسبب ظروف الحرب، لكنهم يُعاملون كمشتبه بهم. وأضاف إن الحكومة قررت إنهاء هذه المأساة من خلال وضع خطط جديدة لإعادة إدماجهم في المجتمع.

دمار شامل

وتعرضت محافظة الأنبار غربي البلاد، إلى دمار شامل في أغلب مناطقها بسبب سيطرة تنظيم داعش عليها، فضلاً عن العمليات العسكرية التي أجرتها القوات العراقية لتحريرها من قبضة التنظيم. وقال محافظ الأنبار، محمد الحلبوسي، في تصريح للبيان على هامش مؤتمر الكويت لإعمار العراق إن المحافظة بحاجة إلى 200 مليون دولار لتعويض المتضررين جراء العمليات العسكرية لتنظيم داعش.

وأعلن الحلبوسي عودة نحو 600 ألف نازح لمناطقهم في المحافظة بعد تحررها من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي.

وأضاف أن هناك حاجة لـ200 مليون دولار لدفع التعويضات للمتضررين من أصحاب المنازل والمحال التجارية والمعامل الأهلية بعد الدمار الذي لحق بها جراء العمليات الإرهابية لتنظيم داعش والعمليات العسكرية لتحرير المدينة. وأضاف أن «عدد المعامل الأهلية المدمرة يتجاوز 1500 معمل مع دمار أعداد كبيرة من المزارع والحقول والبساتين والمحلات التجارية والصناعية العائدة للمواطنين في أقضية ونواحي الأنبار».

وأوضح أن «المحافظة التي تشكل وحدها ثلث مساحة العراق غرباً»، إثر سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي في وقت سابق على مناطقها، بلغ أكثر من مليون نازح.

وأضاف أن المحافظة تشهد إقبالاً لعودة العائلات إلى مناطقهم بعد تحريرها من سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي، لكن هناك قسماً من العائلات لم يعد بسبب ضعف الحالة المادية وعدم توافر الإمكانية لديها، وغيرها من لم تعد بسبب دوام أبنائها في المدارس والجامعات.

وحاول المحافظ توجيه تطمينات للنازحين بأن الوضع الأمني مستقر ولا وجود لميليشيات طائفية، لكنه حذر من خطر عودة تنظيم داعش في حال عدم استجابة النازحين لطلبات الحكومة بالعودة إلى مساكنهم حيث وضعت المحافظة خطة أمنية محكمة لإحباط أي محاولات لعناصر التنظيم للتسلل وسط النازحين بعدما تم توثيق بياناتهم الشخصية.

قوة أمنية

وأعلن توفير قوة أمنية ترافق موكب مغادرتهم من قبل لجنة متابعة وتدقيق النازحين تنفيذاً للخطة الموضوعة بهدف إعادة الأسر لمناطقها الأصلية.

مؤكداً متانة الوضع الأمني في جميع مدن المحافظة بعد إعلان النصر النهائي على عصابات «داعش» الإجرامية مما يتيح للشركات الاستثمارية العمل في ظروف آمنة ومستقرة.

وتابع: إن مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي أقيم في دولة الكويت فرصة حقيقية أمام حكومة الأنبار لإيصال رسائل اطمئنان للشركات الاستثمارية العربية والأجنبية بغية استقطابها للمشاركة بإعمار المناطق المتضررة بعد تحريرها وتوفير بيئة خصبة لدخول تلك الشركات.

وأضاف خلال الفترة المقبلة سنطرح مشاريع استثمارية مع مطالبة المنظمات الدولية بإسناد ودعم مطالب وحاجات المواطنين وخاصة التعويضات. ولفت إلى وجود اعتقاد واسع في الأنبار يربط بين عودة النازحين المرتبطة بشكل أساسي بإعادة إعمار المنازل وبين تحقيق الاستقرار في المحافظة لأن الإعمار يعني عودة الأهالي النازحة لديارها.

من جهته، قال محافظ صلاح الدين أحمد عبدالله عبد الجبوري، في تصريح لـ« البيان »على هامش مؤتمر الكويت لإعمار العراق عودة 200 نازح يمثلون 50 عائلة إلى أماكن سكناهم بعد تحرير مناطقهم من سيطرة داعش الإرهابي.

بناء الثقة

وأكد المحافظ أن بناء الثقة بين الأهالي والقوات الأمنية سيعزز الأمن ونحن نواصل الجهود لمعالجة الأخطاء التي وقعت بتجارب سابقة مشيراً إلى أن 200 نازح يمثلون 50 عائلة عادوا إلى منطقة سكناهم في جويزات وأم شعيفة وسنجار بعد أن تم تحرير مناطقهم من سيطرة داعش. مضيفاً إن عودة النازحين إلى مناطقهم جاءت بفضل تضحيات القوات الأمنية الذين حرروا العراق من داعش الإرهابي.

وأشار إلى أن حكومة المحافظة أجرت عدة لقاءات وحوارات مع الحكومة من أجل عودة النازحين وتحقيق المصالحة المجتمعية بين العشائر وتعويض المتضررين.

وبين الجبوري، «اليوم بفضل أهلنا من العشائر الأصيلة الذين يؤمنون بوحدة العراق انتصرنا على من يريد النيل من أبناء الشعب، وقطع الطريق أمام المخططات الخارجية»، مؤكداً أن «حكومة المحافظة ترعى كل لقاءات المصالحة بين العشائر من أجل عودة النازحين وبناء مجتمع قوي بعيد عن الطائفية».

وأوضح أن المحافظة قامت بدعم العوائل العائدة بالمساعدات العينية والمساعدات الإغاثية من المنظمات الدولية، لافتاً إلى أن«عودة الـ50 عائلة تعد الوجبة الأولى من أصل 3500 عائلة سنقوم بتهيئة أجواء عودتهم تباعاً إلى صلاح الدين». فيما أشار إلى أن خطر تنظيم داعش لا يزال قائماً في عدد من المحافظات العراقية، حيث أكد أن إعادة إعمار المناطق المحررة وإعادة النازحين كفيلة بقطع أي محاولة من قبل التنظيم للعودة مجدداً إلى المحافظات المحررة.

إلى ذلك، أكد محافظ كركوك، ركان سعيد الجبوري، عودة 70 في المئة من النازحين في المحافظات إلى كركوك.

وأضاف إن «كركوك منذ عام ٢٠١٤ استقبلت ١١٧ ألف عائلة نازحة من محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وغيرها من المدن إضافة إلى النزوح الداخلي عقب عمليات التحرير»، مبيناً أن «حوالي ٧٠ في المئة من النازحين عادوا إلى مناطقهم».

وشدد الجبوري، أن إدارة كركوك تضع في أولوية عملها تلبية احتياجات مواطني كركوك جميعاً وخاصة في قطاع الكهرباء والماء والصحة والتربية لأن هدفنا هو خدمة مواطنينا وتحقيق الاستقرار الأمني لهم. فيما دعا إلى الضرب بيد من حديد للقضاء على الإرهابيين في المحافظة بوضع الخطط الأمنية الكفيلة لحماية وتأمين مناطق جنوب غربي كركوك.

المشارع التنموية

في الأثناء، أوضح محافظ ميسان علي دواي في تصريح لـ«البيان» أن محافظة ميسان أنجزت العديد من المشاريع بالرغم من الأزمات الكثيرة التي واجهتنا، وتم تشكيل لجان مشرفة على المشاريع وبالتعاون مع المشروع الإنمائي في مرحلته الأولى والثانية.

لذلك كانت المشاريع شمولية وشملت كافة القطاعات وعموم الوحدات الإدارية. وكذلك من أسباب النجاح حاولنا تسليط الضوء على اختيار العناصر الكفؤة والنزيهة، وبعد ذلك إحالة المشاريع إلى الشركات المعتمدة والموثوقة وفي النهاية متابعة تنفيذ الخطط بشكل يومي وهذا ما تم إنجازه في محافظة ميسان دون غيرها من المدن العراقية.

وأكد أن المحافظة استقبلت عدداً من النازحين حيث تم إيواؤهم في المخيمات، مشيراً إلى أن التكفل بهؤلاء يتم من موازنة المحافظة. فيما حذر من عودة عصابات تنظيم داعش الإرهابية حيث جدد التأكيد أن ملء المساحات الفارغة من شأنه قطع الطريق أمام التنظيم للتحرك مجدداً في العراق.

وقال داوي على هامش فعاليات مؤتمر الكويت إن نهر دجلة الذي بات أشبه بالجاف يتفرع في المحافظة إلى أربعة فروع إضافة إلى عمود دجلة، وهذه الفروع تتفرع أيضاً إلى جداول وأنهر وعليها تجمعات سكانية وقرى وأرياف، مبيناً أن انخفاض مناسيب النهر دفع بالمحافظة إلى توزيع المياه عبر الآليات الحوضية على المواطنين.

ولفت إلى وجود إجراءات محلية تتمثل باعتماد نظام توزيع الحصص (المراشنة) بين ميسان وجنوبيها ورفع التجاوزات المائية على عمود دجلة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وأسفرت عن نتائج إيجابية، فضلاً عن المباشرة بعمليات الكري ورفع الترسبات الطينية في الأنهر والجداول إضافة إلى قرب المباشرة بحفر 100 بئر ارتوازية.

من جهته كشف محافظ كربلاء عقيل الطريحي في تصريح لـ«البيان» رجوع 4 آلاف و500 عائلة نازحة إلى مختلف المدن العراقية خلال الشهر الماضي بعد تحرير جميع الأراضي من قبضة تنظيم داعش الإرهابي واستتباب الأمن فيها.

مشكلات صحية

يعيش عدد من النازحين في العراق في مخيمات غير لائقة بسبب عدم وجود تناسب بين مساحة المكان وعدد العوائل، فإن احتمال ظهور مشكلات صحية يكون كبيراً، كما أن الازدحام بالأساس، يساهم وبسهولة في انتقال وتفشي الأمراض السارية.

تحديات أمنية

تواجه الجهات الأمنية في المناطق المنزوح إليها تحديات أمنية؛ وذلك لاستغلال الإرهابيين موجة النزوح والتخفّي بين النازحين؛ لاختراق هذه المناطق وهذا يتطلب من الجهات الأمنية القيام ببعض التدابير، والتي قد يكون منها: إصدار بطاقة خاصة لجميع النازحين حتى الأطفال منهم تكون مرجعاً لإثبات الشخصية، ومعرفة مكان استقرارهم الجديد.

وتشتمل على بعض معلومات هوية الأحوال المدنية، ومعلومات بطاقة السكن الأصلية للنازحين، ومعلومات تماثلها للسكن الجديد وتحمل مع هوية الأحوال المدنية لجميع النازحين.