ارتكبت إسرائيل مجزرة دموية بشعة بحق مدنيين عزّل عندما وجهت رصاص حقدها نحو آلاف الفلسطينيين الذين خرجوا في مسيرات العودة على حدود قطاع غزة المحاصر، تزامناً مع الذكرى السبعين لنكبة وتهجير الشعب الفلسطيني وإقامة الكيان الصهيوني الغاصب، ورفضاً لنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس المحتلة.
واستشهد 55 فلسطينياً وأصيب قرابة 3 آلاف شخص بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال قمعه لآلاف الفلسطينيين الذين زحفوا صوب السياج الحدودي المحيط بقطاع غزة ضمن مسيرات العودة بذكرى نكبة وتهجير الشعب الفلسطيني العام 1948 وإقامة إسرائيل على أنقاض القرى الفلسطينية المهجّرة.
وعمد جنود الاحتلال إلى إطلاق الرصاص على رؤوس وصدور المتظاهرين ما أوقع هذا العدد الكبير من الشهداء، فضلاً عن آلاف الجرحى بالرصاص والغاز السام، وشاركت مقاتلات حربية وطائرات استطلاع مسيرّة في استهداف المتظاهرين السلميين، إذ قصفت طائرات حربية من طراز «اف 16» مواقع على الحدود ما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى، فيما شاركت طائرات الاستطلاع في استهداف المتظاهرين بالرصاص والغاز السام.
وقالت مصادر فلسطينية إن من بين الشهداء ستة أطفال ومسعفاً ومُقعداً، فيما أصيب نحو ألفي شخص بجروح وحالات اختناق وصفت حالة 27 منهم بأنها حرجة.
ومن بين الشهداء شاب مقعد لم يمنعه بتر ساقيه من أن يحتج على الحدود بكرسيه المدولب. وأفاد شهود عيان أن أربعة من الشهداء و15 جريحاً سقطوا في قصف إسرائيلي استهدف نقطة رصد شمال جباليا في شمال قطاع غزة. وأطلقت طائرة حربية إسرائيلية من طراز «اف 16» ثلاثة صواريخ على موقع تابع للمقاومة شمال القطاع ما أحدث أضراراً مادية كبيرة.
كما أطلقت مدفعية الاحتلال قذائف تجاه نقطة رصد للمقاومة شرق بلدة جباليا شمال قطاع غزة، وتسبب القصف في أضرار بالغة ولم يبلّغ عن سقوط شهداء.
وهاجم الاحتلال خيام مسيرات العودة وأشعل النيران فيها عبر طائرات مسيرة صغيرة، ما أدى إلى إصابات بين المشاركين في المخيمات.
وأفاد الشهود بأن قوات الاحتلال أطلقت كلاباً بوليسية بمناطق التوغل شرقي القطاع وقامت بإطلاق تحذيرات عبر مكبرات الصوت تطالب المتواجدين بمخيمات العودة بمغادرة المنطقة. كما قامت آليات الاحتلال بضخ كميات كبيرة من المياه العادمة في مناطق توغلت فيها برفقة عدد من الآليات العسكرية.
وتجمع آلاف المتظاهرين عند نقاط عدة وأحرقوا إطارات المركبات.
وتمكن محتجون من اخترق السياج الشائك شمال القطاع والوصول إلى نقطة التماس مع جنود الاحتلال، رفضاً للحصار الظالم المفروض على القطاع للعام الـ11 على التوالي وتأكيداً على حق العودة.
ومن بين المحتجين معتز النجار (18 عاماً) الذي أصيب أربع مرات منذ 30 مارس ولا يزال مصمما على اختراق السياج الحدودي، حيث قال «سنعود إلى أرضنا».
كما قال مدرس من غزة «اليوم ندخل الحدود لنقول لإسرائيل والعالم إننا لن نقبل أن نبقى تحت الاحتلال إلى الأبد». وأضاف «سيكون هناك شهداء، ربما الكثير من الشهداء، ولكن العالم سيسمع رسالتنا وهي أن الاحتلال يجب أن ينتهي».
وعلى الحدود الشرقية لمخيم البريج، اتكأ أحمد الآغا (31 عاما) على عكازين وغطى ساقه الجبس إثر إصابته برصاصة إسرائيلية في الجمعة الثالثة من المواجهات وقال «قطعت السلك مع ستة شبان حين أصبت، اليوم أيضاً سأقطع السلك لكنني سأعبر الحدود هذه المرة».
وفي مستشفيات غزة، أجبر الأطباء على الإسراع في إخراج الجرحى للتعامل مع العدد الكبير من المصابين وتأمين أكبر قدر من الأسرة وسط نقص كبير في الأدوية منذ أسابيع.
وأطلق وزير الصحة الفلسطيني جواد عواد نداء عاجلاً لجميع دول العالم ومنظماته المختلفة للعمل على إيقاف المجزرة التي ترتكبها إسرائيل ضد المتظاهرين العزل على الشريط الحدودي لقطاع غزة.
وقال عوّاد في بيان، إن على جميع دول العالم التي تتغنى وتدعم حقوق الإنسان الوقوف بشكل جدي لحماية المدنيين الفلسطينيين العزل، مطالبا منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر والأمم المتحدة العمل على كبح جماح آلة القتل الإسرائيلية بحق الأبرياء العزل. وأضاف الوزير أن عدد الشهداء والمصابين في ازدياد مضطرد وهو مؤشر خطير يكشف عن نية إسرائيلية لإيقاع أكبر قدر من الضحايا في صفوف المتظاهرين.
وبذلك يرتفع عدد الشهداء الفلسطينيين إلى نحو مئة منذ بدء مسيرة العودة الشعبية على أطراف قطاع غزة في 30 مارس الماضي. وكانت الهيئة الوطنية لمسيرة العودة دعت إلى أكبر تجمع شعبي أمس، على الأطراف الحدودية ضمن ما أسمته «يوم العبور». ومنذ صباح أمس توافد آلاف الفلسطينيين إلى المناطق الحدودية الشرقية عبر حافلات جرى تجهيزها في المفترقات والميادين العاملة.
وتطالب احتجاجات مسيرة العودة في غزة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ 11 عاماً. ومن المنتظر أن تتصاعد الاحتجاجات، اليوم (الثلاثاء)، فيما يحيي الفلسطينيون ذكرى «يوم النكبة» عندما طردت العصابات الصهيونية مئات الآلاف من منازلهم عام 1948. وأعلنت منظمة التحرير الفلسطينية عن إضراب شامل في الضفة وغزة اليوم تكريماً للشهداء وتزامناً مع ذكرى النكبة. وعم الإضراب الشامل قطاع غزة أمس تزامناً مع إحياء الذكرى واحتجاجاً على نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة.
دعوات لوقف المذبحة
وأثار العدد الكبير من الضحايا إدانات وانتقادات عربية ودولية. ودان الرئيس الفلسطيني محمود عباس المجازر في غزة. وقال عباس في بدء اجتماع للقيادة الفلسطينية إن «الولايات المتحدة لم تعد وسيطا في الشرق الأوسط» بعد نقل سفارتها إلى القدس، مؤكدا أن السفارة عبارة عن «بؤرة استيطانية أميركية» في القدس. ودعا إلى تنكيس الأعلام 3 أيام حداداً على الشهداء.
وطالبت حكومة الوفاق الفلسطينية بتدخل دولي فوري وعاجل لوقف «المذبحة الإسرائيلية الرهيبة» ضد المتظاهرين شرق غزة.
ودعا الناطق باسم الحكومة يوسف المحمود، في بيان، الحكومات العربية والإسلامية الدول الصديقة إلى «بذل أقصى جهودها في التدخل لوقف إراقة دماء الفلسطينيين والوقوف إلى جانب القيادة الفلسطينية في التصدي للعدوان الإسرائيلي».
وطالب المحمود المجتمع الدولي بكامل مؤسساته ومنظماته بـ«التحرك دون إبطاء وتوفير حماية دولية لأبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، الذين تنفذ قوات الاحتلال بحقهم مذبحة رهيبة وتستخدم أدوات القتل المحرمة دولياً».
من جهتها، قالت حركة حماس إن عمليات «القتل والإرهاب التي يمارسها الجيش الإسرائيلي بحق المتظاهرين الفلسطينيين العزل شرق قطاع غزة تجرؤ خطير على الدم الفلسطيني».
وحمل الناطق باسم الحركة فوزي برهوم، في بيان، إسرائيل التداعيات الكاملة لما يجرى من استهداف للمتظاهرين الفلسطينيين، معتبرا أن «هذه الجرائم ما كانت لتحصل لولا المواقف والقرارات الأميركية الداعمة له والصمت الإقليمي والدولي».
ودانت وزارة الخارجية السعودية استهداف المدنيين الفلسطينيين، وشددت في بيان على «ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه وقف العنف وحماية الشعب الفلسطيني الشقيق»، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس). وجدد البيان التأكيد «على ثوابت المملكة تجاه القضية الفلسطينية، ودعمها للأشقاء الفلسطينيين في استعادة حقوقهم المشروعة وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية».
وأعربت مصر عن إدانتها الشديدة لاستهداف المدنيين الفلسطينيين العزل من قبل قوات الاحتلال.
وأكدت وزارة الخارجية، في بيان، على رفض مصر القاطع لاستخدام القوة في مواجهة مسيرات سلمية تطالب بحقوق مشروعة وعادلة، محذرة من التبعات السلبية لمثل هذا التصعيد الخطير في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وشددت على دعم مصر الكامل للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها الحق في إنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس عن «قلقه العميق» إزاء الوضع في غزة. وقال في فيينا «نشهد تصعيدا في النزاعات.
اشعر بالقلق الشديد اليوم للأحداث في غزة مع سقوط عدد مرتفع من القتلى». وطالب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين، إسرائيل بضرورة وقف إطلاق الذخيرة الحية وحض المجتمع الدولي على تقديم المسؤولين عن ذلك للعدالة.
إسقاط «مسيّرة»
أفاد شهود عيان في قطاع غزة أن المتظاهرين قرب خيام العودة على طول الشريط الحدودي لقطاع غزة، اسقطوا طائرة تصوير إسرائيلية، أمس.
وأشارت الصور التي التقطتها عدسات المصورين، كاميرا التصوير الاسرائيلية التي تم إسقاطها.
وكانت الطائرات الاسرائيلية المسيّرة قد القت مناشير تحذيرية في سماء القطاع تهدد فيها المتظاهرين من الوصول الى السياج الشائك، الى جانب طائرات القت مواد حارقة قرب خيام العودة. غزة - وكالات