كشفت هيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي»، عن مجموعة من الرسائل النصية والاتصالات الهاتفية بين السفير القطري في العراق زايد الخيارين، ووزير الخارجية الحالي محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، التي تثبت وبالأدلة القاطعة دعم تنظيم الحمدين للإرهاب من خلال دفع أكثر من مليار دولار فدية للإرهابيين في العراق ودعماً لميليشيات إيرانية في سوريا، تحت غطاء تحرير الرهائن القطريين في العراق خلال العام الماضي، وهو الأمر الذي يؤكد صحة قرار الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، مقاطعة قطر لدعمها الارهاب وتدخلها في شؤون الدول.

وأشار التحقيق إلى أنّ الأسرة الحاكمة في قطر تلقت في ديسمبر 2015 خبراً باختطاف 28 شخصاً في العراق من مجموعة صيد أفرادها أمراء. وزُوِّدَ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، والذي كان على وشك أن يصبح وزيراً للخارجية القطرية حينها، بقائمة تتضمن أسماء الرهائن، ليدرك أنّ القائمة تضم اثنين من أقربائه. وأرسل محمد بن عبدالرحمن رسالة إلى السفير القطري لدى العراق زايد الخيارين، جاء في فحواها: «جاسم ابن عمي وخالد زوج خالتي، عند تلقيك أي خبر عن ذلك، أخبرني على الفور».

ووفق مجرى الأحداث دفع تنظيم الحمدين أكثر من مليار دولار لتحرير الرهائن، إذ ذهبت الأموال لجماعات وأفراد صنّفتهم الولايات المتحدة على أنهم إرهابيون على غرار كتائب حزب الله في العراق، وقائد قوات الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني الخاضع لعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والذي تثبت الوقائع العلاقة الوثيقة بينه وتنظيم الحمدين وهو ما أكدت عليه دول المقاطعة عدة مرات، وهيئة تحرير الشام التي كانت معروفة بجبهة النصرة وهي فرع لتنظيم القاعدة في سوريا.

لقد ذهب الرهائن إلى العراق بحثاً عن الصقور، وتلقوا تحذيراتٍ ومناشدات بعدم الذهاب، ليتم اجتياح معسكر الصيادين بوساطة شاحنات صغيرة محمَّلة ببنادق رشاشة ثقيلة في ساعات الصباح الباكر. وأخبر أحد الرهائن صحيفةَ «نيويورك تايمز»، أنّه كان يعتقد أنّ الخاطفين كانوا ينتمون إلى «داعش» قبل أن يوجّه أحد الخاطفين إساءةً شيعية إلى السنّة.

أسابيع ولم تصل النظام القطري أي أخبار، لتبدأ الأمور تتضح في مارس 2016، إذ علم المسؤولون أن الخاطفين كانوا ينتمون إلى كتائب حزب الله وهي ميليشيا عراقية مدعومة إيرانياً، ليرسل السفير زايد الخيارين رسالة إلى محمد بن عبدالرحمن مفادها: «لقد أخبرتهم بأن يعيدوا لنا أربعة عشر شخصاً، وسنعطيكم نصف القيمة». ولم يتضح مقدار «القيمة» في سجلات الهاتف حتى تلك الفترة، لتعرض الجماعة الإرهابية بعد مرور خمسة أيام إطلاق سراح ثلاثة رهائن، ويرسل السفير رسالة إلى الوزير قال فيها: «إنهم يريدون بادرة حسنة من جانبنا أيضاً، هذه علامة جيّدة بالنسبة لنا، علامة تدل على أنهم في عجلة من أمرهم ويريدون إنهاء كل شيء في أقرب وقت».

تمويل إرهابيين

وحصل السفير على مقطع فيديو يظهر أحد الرهائن لدى الخاطفين وعرضه على الوزير الذي طلب منه أن يمحوه من على هاتفه حتى لا يتسرب إلى أحد. وتم فصل الرهائن عن بعضهم البعض، حيث وضع الأمراء في قبو لا نوافذ له وتم أخذ أصدقائهم، وغيرهم من المواطنين العاديين، وغير القطريين من بين مجموعة الصيد، إلى أماكن أخرى. وتظهر الرسائل نقلاً عن مسؤول قطري، أن الأمراء قد ينقلون من مكان إلى آخر أحياناً كل يومين إلى ثلاثة أيام، ولكن دائماً ما يتم احتجازهم في مكانٍ ما تحت سطح الأرض. وكان بحوزتهم مُصحف واحد فقط يتبادلونهُ لقراءة القُرآن، وعلى مدى الأشهر الستة عشر التي قضاها الرهائن في الأسر، لم يكن لديهم أي فكرة عما يحدث في العالم الخارجي.

وأظهرت الرسائل أن قادة الميليشيات الإيرانية طلبوا مبالغ جانبية لهم، فوافق السفير ووعد أحدهم ويدعى أبو محمد بأن يشتري له شقة في لبنان إضافة إلى مبلغ 10 ملايين دولار. وظهر سليماني في أبريل 2016، وحينها كان الحديث واضحاً عن مبلغ المليار دولار.

وأرسل السفير رسالة إلى وزير الخارجية قال فيها: «لقد التقى سليماني بالخاطفين وضغط عليهم من أجل قبول المليار دولار، لم يستجيبوا بسبب وضعهم المالي، سليماني سيعود». وتكشف الرسائل أنّ سليماني أراد شيئاً أكبر من المال، طلب من قطر المساعدة في تنفيذ ما يسمى «اتفاق المدن الأربع» في سوريا.

وفي أبريل 2016، أُضيف للسجلات الهاتفية اسمٌ جديد: قاسم سليماني، وهو الراعي الإيراني لكتائب حزب الله، وبحلول هذا الوقت، بدا أنّ طلب الفدية وصل إلى مبلغ مذهل يبلغ مليار دولار، ومع ذلك، فإن الخاطفين صمدوا وطالبوا بالمزيد.

ضغوط سليماني

وأرسل السفير رسالة إلى وزير الخارجية قال فيها: «لقد التقى سليماني بالخاطفين وضغط عليهم من أجل قبول المليار دولار، لم يستجيبوا بسبب وضعهم المالي، سليماني سيعود». وتكشف الرسائل أنّ سليماني أراد شيئاً أكبر من المال، طلب من قطر المساعدة في تنفيذ ما يسمى «اتفاق المدن الأربع» في سوريا.

ووفق اتفاق «البلدات الأربع» فكّت جبهة النصرة الممولة من قطر حصارها عن بلدتي كفريا والفوعة في شمال سوريا، وتم تهجير سكان بلدتي مضايا والزبداني في ريف دمشق، بهدف تغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة لصالح النفوذ الإيراني. وكسب النظام الإيراني بفضل الاتفاق، نفوذاً في مناطق قريبة من دمشق، بعد جعلها خالية من سكانها، الذين هجروا إلى الشمال السوري، وتوفير امتداد تسيطر عليه إيران في سوريا يصل إلى مناطق سيطرة حزب الله في لبنان. ووفقاً للسفير، قال الجنرال سليماني لكتائب حزب الله، إنّه إذا تم إنقاذ الشيعة بسبب اتفاق المدن الأربع، فسيكون من المخزي المطالبة برشى شخصية.

استغلال

وقال السفير في رسالة لوزير الخارجية: «حزب الله في لبنان وكتائب حزب الله في العراق كلهم يريدون المال وهذه هي فرصتهم، إنهم يستغلون هذا الوضع للاستفادة منه، خاصة أنهم يعلمون أنها تقريباً النهاية كلهم لصوص».

وتظهر الرسائل أن المال دفع بالفعل للإرهابيين في أبريل 2017، فضلاً عن رشى جانبية بما يربو على 150 مليون دولار. وتكشف المراسلات تأكيدات مسؤولين قطريين أنه تم دفع «مبلغ نقدي كبير». وفي تقرير سابق لصحيفة واشنطن بوست الأميركية، فقد حصل شخص يدعى قاسم، يعتقد أنه قاسم سليماني على 50 مليون دولار.

نقل أموال

وبعد نقل الأموال على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية القطرية إلى بغداد، قال السفير القطري لأحد قادة كتائب حزب الله في تسجيل صوتي: «يجب أن تثقوا بقطر، وأنتم تعلمون ما فعلته قطر وما فعله والد الأمير، لقد فعل أشياء كثيرة، ودفع 50 مليوناً، ووفر البنية التحتية للجنوب، وكان أول من زارها»، في إشارة إلى تعامل قطر مع حزب الله ودعمها المادي له.

وعلى الرغم من غموض النصوص يرجّح أن تكون صفقة المدن الأربع هي ما كان مطلوباً لتحرير الرهائن، فضلاً عن 150 مليون دولار من المدفوعات الشخصية للخاطفين. وأقرّ المسؤولون القطريون بأنّ النصوص ورسائل البريد الصوتي حقيقية.

وانتهت أزمة الرهائن في أبريل 2017 بعد تحليق طائرة تابعة للخطوط الجوية القطرية إلى بغداد لنقل الأموال واستعادة الرهائن. وتؤكّد المصادر أنّ المبلغ المنقول كان أكثر من مليار دولار، إضافة إلى 150 مليون دولار من الرشى، والكثير منها موجّه إلى كتائب حزب الله.

مسؤولية

ويؤكد المسؤولون القطريون أنه تم إرسال مبلغ كبير نقداً، لكنهم يقولون إنه كان للحكومة العراقية وليس للإرهابيين. وكانت المدفوعات تتعلق بـ «التنمية الاقتصادية» و«التعاون الأمني». ويقول المسؤولون: «أردنا أن نجعل الحكومة العراقية مسؤولة مسؤولية كاملة عن سلامة الرهائن».

لقد اعتقد القطريون أنهم عقدوا اتفاقاً مع وزير الداخلية العراقي، والذي كان ينتظر في المطار عندما هبطت الطائرة بحمولة نقدية موضوعة في حقائب من القماش الأسود، قبل أن يظهر رجال مسلحون يرتدون زياً عسكرياً من دون شارة. وبعد تسلّم الأموال مضت عملية إطلاق سراح الرهائن قدماً، مشروطة بتنفيذ اتفاق المدن الأربع في سوريا.

نهاية حكاية

لقد نقلت 46 حافلة الناس من المدينتين في سوريا. وكتب جاسم بن فهد في رسالة نصية: «لقد أخرجنا 5000 شخص على مدى يومين، والآن نحن بصدد إخراج 3000 شخص، لا نريد حدوث أي تفجيرات». وبعد بضعة أيام، تم إخلاء المدن وأرسل محمد بن عبدالرحمن رسالة نصية مفادها، أن 3000 شخص تم احتجازهم في موقع التسليم، عندما نرى الرهائن، سنجعل الحافلات تتحرك. ورد السفير أنّ الجانب الآخر كان قلقاً، إنهم يشعرون بالهلع، لقد قالوا إنه إذا أشرقت الشمس دون مغادرتهم فإنهم سيحجزون الرهائن.

وتمّ إطلاق سراح الرهائن القطريين في 21 أبريل 2017، لقد كان جميعهم على ما يرام، وفق ما ذكر السفير، لكنهم «فقدوا نصف وزنهم تقريباً». وبعد ستة عشر شهراً من احتجازهم، أظهرت الصور التلفزيونية الرهائن وهم في حالة هزيلة ولكنهم مبتسمين، على مدرج مطار الدوحة. وتقول مصادر الرسائل النصية ورسائل البريد الصوتي إن المواد تظهر أن قطر أرسلت أموالاً إلى الإرهابيين.

حظر

على صعيد متصل، غرّد المستشار في الديون الملكي السعودي، سعود القحطاني على «تويتر»: «لماذا تم حظر الخطوط القطرية في الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب؟، هذه التغطية الموثقة من «بي.بي. سي» تكشف أحد الأسباب فقط.. وماخفي أعظم».