لم تكن سعاد الوحيدة، بل واحدة من آلاف أوصدت ميليشيا الحوثي الباب في وجه مستقبلها ودمّرت أحلامها الغضة، إلى درجة أصبح أقصى ما تتمناه سعاد لقمة عيش لها ولطفليها، بعد أن فقدت زوجها الذي غرر به الحوثيون، ورموا به في ميادين القتال.

لقد حوّلت الميليشيا كل بيت في مناطق سيطرتهم إلى قصة تتجسّد فيها كل معاني المأساة، وكل حي إلى تراجيديا يتلبّسها أكثر من 12 مليوناً لا يجدون ما يأكلون في ظل سيطرة هذه الميليشيا التي انتهجت سياسة مدمرة لكل مقومات الحياة.

سعاد التي لا يتعدّى عمرها 22 عاماً من عائلة فقيرة كثيرة العدد، أنهت تعليمها الثانوي ولم يكن الالتحاق بالجامعة أحد طموحاتها، بل تأمل في الزواج بقريبها خالد. انتقلت سعاد قبل أيام من اجتياح الميليشيا لصنعاء، للعيش في بيت الزوجية مع زوجها الذي يعمل في إحدى مقاهي العاصمة، وعاشا في غرفة بمنزل أسرته لأنّ دخله لا يسمح له باستئجار منزل مستقل، وعاشا شهوراً حياة بسيطة جداً، فلم يكن يحصل على الكثير من عمله مقدماً للطلبات.

مرّ عامان وأصبحت سعاد أماً لتوأم، ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب الحرب التي أشعلتها الميليشيا أخذت الظروف الاقتصادية تتدهور. لم يكن والد خالد يمتلك ما يعين به ابنه، وأغلقت الكثير من الشركات أبوابها، كما أوقفت الميليشيا رواتب الموظفين، وأغلقت كل أبواب الرزق أمام السكان باستثناء جبهات الموت. وبعد توزيع الميليشيا أحياء العاصمة على مشرفيها ما بين اجتماعي وثقافي ومالي، يأتي المشرف الاجتماعي في رأس الهرم فهو السلطة الأعلى، وتتمثّل مهمته في تجنيد الباحثين عن عمل والأطفال وإرسالهم إلى جبهات القتال لسد النقص في المقاتلين.

ومع الارتفاع المخيف في الأسعار وزيادة متطلبات الحياة، وعجز صاحب المقهى عن زيادة راتب خالد، وقع الشاب في مصيدة المشرف الثقافي للميليشيا الذي عرض عليه راتباً مضاعفاً إذا ما التحق للقتال معهم في إحدى الجبهات، فما كان من خالد سوى القبول بالعرض للهروب من دائرة الفقر.

أبلغ خالد أسرته أنّه سينتقل للعمل في إحدى المحافظات ليحسن وضعه تاركاً لهم مبلغاً من المال استلمه من مشرف الميليشيا كمصاريف. ولم تكد تمضي سوى أربعة أشهر حتى عاد خالد إلى بيته ليكون هذه المرّة جثّة هامدة بعد أن قتل في إحدى الجبهات تاركاً وراءه زوجة ثكلى وطفلين يتيمين.

لم تفق سعاد من هول الفاجعة سوى بعد عدة أسابيع، لتجد نفسها بلا مصدر عيش لها ولطفليها اليتيمين، فعرضت عليها شقيقتها العمل معها مندوبة مبيعات مواد تنظيف. وعلى الرغم من ضعف الراتب الذي تتقاضاه، فإنّ الأيام تمضى بسعاد وهي مصرّة على مواصلة العيش رغم الصعوبات، تستيقظ باكراً لإرضاع طفليها وتتركهما مع والدتها، لتبدأ يوماً شاقاً من العمل تمشّط فيه أحياء المدينة جيئة وذهاباً، تطرق كل الأبواب أملاً في بيع ما لديها من منتجات، يصادفها الحظ أحايين، ويخاصمها أُخر.