أكد خبراء ومحللون أن العمليات العسكرية التي أطلقها التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن لتحرير محافظة الحديدة كانت أمراً ضرورياً، في ظل تعنت الميليشيا الحوثية الإيرانية ورفضها الحوار في مفاوضات جنيف الأخيرة، موضحين أن انتزاع هذه المدينة الساحلية، ذات الأهمية الاستراتيجية، سينهي مراوغات الميليشيا الإيرانية، وسيجبرها على الجلوس إلى مائدة المفاوضات.

وقال الخبراء لـ«البيان» إن مكاسب عديدة ستتحقق في المشهد اليمني، بعد تحرير محافظة الحديدة ومينائها، باعتبارها شرياناً حيوياً للحوثيين لتهريب الأسلحة وتهديد الملاحة الدولية، إضافة إلى مكاسبهم الاقتصادية بجني مليارات الريالات من ميناء الحديدة، مؤكدين أن قطع هذا الشريان سيكون بمنزلة «رصاصة الرحمة» على جسد ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران.

وأضافوا أن تحرير الحديدة سيؤثر بشكل كبير في مسار العمليات العسكرية في اليمن، من حيث التقدم إلى استكمال تحرير المدن الأخرى في الشمال، هذا بخلاف مسار العمليات الإنسانية، إذ سيساعد تحرير المدينة قوات التحالف العربي والمنظمات الحقوقية على تقديم المساعدات الإنسانية للمواطن اليمني، الذي أثقلت كاهله ممارسات ميليشيا الحوثي.

حسابات عسكرية

ووفقاً لحسابات عسكرية، فإن تحرير الحديدة سيؤدي إلى تحرير مديريات الجراحي وبيت الفقيه وزبيد والمنصورية، ويؤدي عملياً إلى تحرير مديريات غرب محافظة تعز، وينقل المعركة إلى محافظة إب، كما سيغلق أهم مصدر لإمدادات الميليشيا عبر محافظتي ذمار وحجة، وسيؤدي إلى تحرير بقية مناطق ساحل محافظة حجة، ويدفع بالمواجهات إلى عمق المحافظة ويعزل الميليشيا في المرتفعات.

مصادر عسكرية

قالت لـ«البيان» إن انتقال المواجهات إلى محافظة إب سيؤدي بالضرورة إلى قطع طرق إمدادات عن الميليشيا في مناطق محافظة تعز، وستجبر هذه الميليشيا على الانسحاب أو الاستسلام، كما سيؤدي تحرير الحديدة إلى إعادة تصدير النفط الخام من حقول مأرب، لأن الميليشيا تسيطر حالياً على ميناء رأس عيسى النفطي، كما ستتم إعادة تشغيل مصفاة النفط القريبة من الميناء، وإعادة تشغيل محطة رأس كثيب الكهربائية، وهي أمور ستؤدي إلى إعادة الخدمات وتخفيف الأزمة الإنسانية التي يعيشها سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيا.

ويؤكد الناشط الاجتماعي اليمني وضاح شمسان أن أي محاولة لإثناء الشرعية والتحالف عن استكمال تحرير مدينة وميناء الحديدة يخدم الميليشيا من حيث إطالة أمد الأزمة الإنسانية ومعاناة الملايين من اليمنيين، لأن تحرير المدينة وانتزاع الميناء من قبضة الميليشيا يعنيان انتصاراً عسكرياً حاسماً، لأن الميليشيا قد دفعت بأهم مجاميعها المسلحة، ودفعت بالآلاف من المقاتلين إلى مدينة الحديدة.

وبيّن شمسان أن التحرير، إلى جانب أنه سيشكّل انتصاراً عسكرياً مهماً وكبيراً، فإنه سيؤدي إلى خنق ميليشيا إيران في المرتفعات، وينزع عنها أي اتصال بالخارج، كما سيحرمها من أهم مورد مالي، ويُفقدها القدرة على تهريب الأسلحة، وبالذات قطع الصواريخ الباليستية والحرارية.

وأكد الناشط في الحراك التهامي، عمار شوعي، أن أي تأخير في تحرير مدينة وميناء الحديدة سيصيب اليمنيين بخيبة أمل كبيرة، بعد أن تفاءلوا أكثر من مرة بقرب الخلاص من هذه الميليشيا العنصرية، سواء في الحديدة أو في بقية مناطق اليمن الخاضعة لسيطرتهم، مع مراهنتهم على إطالة أمد الحرب وتوسيع رقعة المأساة، لأن الميليشيا تعتقد أن ذلك سيُوجد ضغوطاً عالمية على الشرعية والتحالف لتقديم تنازلات إضافية لمصلحة الانقلابيين.

مكاسب عسكرية واقتصادية

الكاتب والخبير المصري في الشأن اليمني، محمود الطاهر، يرى أنه كان لا بد من البدء في معركة تحرير الحديدة منذ فترة طويلة، باعتبارها شرياناً حيوياً للميليشيا الإيرانية في اليمن، يتم عبره تهريب الأسلحة وتهديد الملاحة الدولية، لكن هذه العملية تأخرت لإعطاء الفرصة للجهود الدبلوماسية.

وأكد الطاهر لـ«البيان» أن معركة تحرير الحديدة في الوقت الراهن وقطع هذا الشريان الحيوي عن ميليشيا الحوثي أمر غاية في الأهمية، لكونه سيمنع تهريب الأسلحة، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية التي ستتكبدها الجماعة التي كانت تجني مليارات الريالات من الميناء.

وعن المكاسب العسكرية من سيطرة قوات التحالف على تلك المحافظة الاستراتيجية، اعتبر الطاهر أن تحرير الحديدة سيؤدي إلى استكمال تحرير المدن الأخرى في الشمال الخاضعة ليسيطرة ميليشيا الحوثي، موضحاً أن التطويق العسكري لتلك المناطق أو المدن الشمالية -حتى إن لم يتم تحريرها بالكامل- سيضيّق الخناق على الميليشيا، ما سيؤدي إلى حدوث انشقاقات بين صفوفها وبالتالي سقوطها.

وتطرق الخبير في الشأن اليمني إلى أحد المكاسب المهمة لتحرير الحديدة، المتمثلة في تخفيف معاناة الإنسان اليمني من ممارسات الحوثي التي أثقلت كاهله خلال الفترة الماضية، من حيث قطع الرواتب وعدم قدرته على العلاج وعدم توافر أي أوجه رعاية له، مؤكداً أن تحرير تلك المدينة سيساعد قوات التحالف العربي والمنظمات الحقوقية على إدخال وتقديم المساعدات الإنسانية لليمنيين.

كما أشار إلى أنه بتحرير المدينة ستتم إعادة تأهيل محافظة الحديدة، وبشكل خاص المطار، بحيث يكون متاحاً استخدامه من قِبل المواطن اليمني الذي يتكبد مشقة كبيرة في الانتقال من مدينة لأخرى.

تحذير من مراوغات

وعلى الرغم من تلك المكاسب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لليمن، حال تحرير الحديدة من قبضة الحوثي، فإن الطاهر يحذّر من مرواغات الميليشيا الإيرانية بهدف وقف العمليات العسكرية، في ظل الانتصارات والمكاسب التي تحققها قوات التحالف العربي والقوات المشتركة على الأرض منذ بدء إطلاق عملية تحرير المحافظة، مقابل انهيارات كبيرة في صفوف الميليشيا، لافتاً، في هذا الصدد، إلى أن المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث بدأ، بالتزامن مع عملية التحرير، بمحادثات في صنعاء، متحدثاً عن أهمية المشاورات والجلوس إلى طاولة المفاوضات، وهو الأمر الذي يؤكد أهمية استمرار قوات التحالف العربي في المضي قدماً لتحرير الحديدة، باعتبار أن السيطرة العسكرية على تلك المحافظة ستمثل منعرجاً مهماً في مسار الأزمة اليمنية، وستقرّب فرص السلام.

انفراط عقد الميليشيا

أما المحلل السياسي اليمني والمشارك بمباحثات جنيف الأخيرة، بليغ المخلافي، فأكد أن إطلاق العملية العسكرية لتحرير الحديدة كان أمراً ضرورياً في هذا التوقيت، بعد رفض ميليشيا إيران الجلوس على مائدة مشاورات جنيف الأخيرة، موضحاً أن انتزاع هذه المدينة الساحلية من قبضة الحوثي سيجبرهم على الجلوس إلى الطاولة التفاوض، خوفاً من سقوطهم تماماً في اليمن.

وأشار لـ«البيان» إلى أن الحديدة تشكّل واحدة من أهم المحافظات اليمنية التي تستخدمها ميليشيا الحوثي معبراً لدخول الأسلحة الإيرانية، بخلاف ما تؤديه من دور في اقتصاد الحرب، إضافة إلى دور مينائها في تهريب الأسلحة وتقنيات الصواريخ، وبالتالي، والكلام للمخلافي، فإن السيطرة عليها ونزع هذه الورقة من يد الميليشيا سيعرّضانها لخسائر كبيرة.

وأكد السياسي اليمني أن تحرير الحديدة سيؤثر بشكل كبير في مسار العمليات العسكرية في اليمن، حيث يمهّد تحرير تلك المدينة لخسارة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران طرق الإمداد لهم، ما سيؤدي إلى انفراط عقد سيطرتهم على بقية محافظات الوسط التي تمثل الخط الدفاعي الأول لهم، مضيفاً أن تحرير المدينة سيؤثر أيضاً في مسار العمل الإنساني من حيث استئناف تقديم المساعدات والرعاية اللازمة لليمنيين الذين يعانون الممارسات الوحشية لميليشيا الحوثي الإيرانية.

وأكد المخلافي أن الحديدة هي آخر منفذ خارجي تسيطر عليه ميليشيا الحوثي وثاني أكبر الموانئ اليمنية، ما يعني أن ثلثي العائدات الجمركية والتجارة الخارجية تستحوذ عليهما الميليشيا وتوظفهما في تمويل حربها على اليمنيين، إذ تقدّر العائدات السنوية بنحو نصف مليار دولار.

وأضاف أنه إلى جانب العائدات المالية الكبيرة والجبايات الإضافية التي تحصل عليها الميليشيا في المناطق التي استحدثتها في مداخل المدن، فإن المبلغ يتضاعف إذا ما أخذنا في الاعتبار أن قادة هذه الميليشيا أضحوا يحتكرون تجارة المشتقات النفطية، ورفعوا أسعارها بنسبة وصلت إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل الانقلاب.