بفارق كبير، أوصل الناخبون في البرازيل المرشح جاير بولسنارو لرئاسة البلاد، بعد أن تمكن مرشح الحزب الليبرالي الاجتماعي ذو التوجهات اليمينية من هزيمة مرشح حزب العمال اليساري الذي حكم البرازيل منذ عام 2003 حتى عام 2015.

انتخاب الرئيس بولسنارو أنهى عقدين من هيمنة اليسار على الحكم في البرازيل، وقدم دليلاً على أن المزاج البندولي للناخب البرازيلي قد دخل في دورة جديدة نحو اليمين. في الانتخابات البرازيلية يترشح الرئيس ونائب الرئيس على قائمة انتخابية واحدة. وإذا كان الرئيس بولسنارو ينتمي للحزب الليبرالي الاجتماعي اليميني، فإن نائبه هاميلتون موراو ينتمي لحزب تجديد العمل البرازيلي الأكثر تطرفاً ناحية اليمين.

الاتجاه اليميني المحافظ للمرشح الرئاسي ونائبة كان واضحاً في الشعار الذي خاضوا به الانتخابات: «البرازيل فوق كل شيء، والله فوق الجميع». الله والوطن هما القيمتان الأعلى لدى رئيس البرازيل الجديد، وهي الأشياء التي ينظر لها اليسار وبعض الليبراليين، بتوجس بسبب ارتباطها التقليدي بالتيارات الوطنية المحافظة ذات النزعات السلطوية.

كان الرئيس بولسنارو ضابطاً في الجيش، ووصل فيه حتى رتبة رائد، قبل أن يتم صرفه من الخدمة؛ أما نائبه المنتخب هاميلتون موراو فقد كان عسكرياً محترفاً استمر في الخدمة العسكرية حتى وصل إلى رتبة الجنرال.

يظهر الرئيس بولسنارو ونائبه احتراماً كبيراً للجيش، وللفترة التي حكم فيها العسكريون البلاد، ويرون أنه من المقبول أن يتدخل الجيش لحكم البلاد إذا فشلت النخب السياسية المدنية في إدارتها.

للبرازيل خبرة طويلة مع الحكم العسكري، كان آخرها عندما حكم الجيش البلاد في الفترة 1964 - 1985. وبينما يكره اليسار والليبراليون حقبة الحكم العسكري بسبب طبيعتها السلطوية، فإن الوطنيين المحافظين يتذكرونها بإعزاز بسبب الاستقرار الذي حققته للبلاد بعد فترة من الاضطرابات السياسية، وحروب العصابات اليسارية على طريقة تشي جيفارا، وبسبب المعجزة الاقتصادية التي نجح الجيش في تحقيقها، خاصة في سنوات السبعينات.

مشاعر المواطنين في البرازيل منقسمة حول هذه الحقبة، فبينما يعتبرها اليسار والليبراليون من أسوأ الأيام التي مرت على البلاد، يعتبرها المحافظون الوطنيون حقبة ذهبية ساهمت في خلق البرازيل الحديثة.

يبدو أن المزاج الشعبي في البرازيل في هذه المرحلة يحن إلى ذكرى الحكومة القوية، وأصبح مستعداً للتسامح مع بعض الممارسات السلطوية، ولم يعد يحمل المشاعر السلبية نفسها إزاء حكومة العسكريين، لدرجة أنه لا يمانع في انتخاب رئيس لا يتردد في إطراء الحكومة العسكرية علناً.

لقد نجحت المعارضة اليمينية إذاً في انتزاع الحكم من اليسار. لكن الحقيقة هي أنه لا توجد معارضة تنجح، ولكن توجد حكومة تفشل؛ وقد فشل اليسار فشلاً ذريعاً في حكم البرازيل على أكثر من مستوى. كانت البرازيل قبل عشر سنوات في ذروة ازدهارها، وبدت تجربة حكم الرئيس اليساري لولا دي سيلفا كما لو كانت مثلاً يحتذى، لكن يبدو أن هذا النجاح لم يكن سوى واجهة خادعة سرعان ما انكشفت. كان الاقتصاد البرازيلي قد نجح في استعادة توازنه خلال سنوات التسعينات قبل أن يصل اليسار إلى الحكم.

في تلك السنوات قام الرئيس الإصلاحي - اليساري سابقاً - فرناندو كردوسو، بتنفيذ إصلاحات هيكلية عميقة جعلت الاقتصاد البرازيلي جاهزاً لنمو رأسمالي سريع، حتى أن الاقتصاد البرازيلي حقق نمواً متوسطاً مقداره 5 بالمائة سنوياً منذ أواخر التسعينات وحتى عام 2010، عندما بدأ التباطؤ الاقتصادي، حتى دخل الاقتصاد في مرحلة الركود في عام 2014، لينكمش بنسبة زادت على 3.5% سنوياً خلال العامين التاليين.

غير أن الفساد كان هو المظهر الأكثر وضوحاً لفشل اليسار الذريع. وقد كشفت عملية ملاحقة الفساد التي بدأت عام 2014، كشفت عن عمليات فساد زادت قيمتها على 11 مليار دولار، وهو الفساد الذي تورط فيه مسؤولون كبار، بمن فيهم الرئيس اليساري الأسبق لولا دي سيلفا الذي يقضي الآن حكماً بالسجن لمدة 12 عاماً.

لقد مل الناخب البرازيلي حكم اليسار، وبات مستعداً لتجربة جديدة مع رئيس يميني يركز على استعادة الأمن؛ ومحاربة الفساد؛ وتمكين رجال الشرطة من ملاحقة المجرمين، بما في ذلك إطلاق الرصاص عليهم؛ وعلى تسهيل امتلاك المواطنين لأسلحة شخصية.

لقد عبر الرئيس المنتخب عن إعجابه بالرئيس ترامب، وأثنى على قراره نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ووعد بالقيام بالشيء نفسه، كما لو كانت كتلة جديدة من أشباه الرئيس ترامب تتشكل في القارة الأميركية.

يبقى أن نتذكر أن المنافس اليساري للرئيس بولسنارو قد حصد أصوات 45% من الناخبين، بما يشير إلى أن المجتمع البرازيلي يبدو اليوم منقسماً على نفسه كما لم يكن قبل ذلك أبداً، وأن الأرض ليست ممهدة بلا مقاومة أو عقبات أمام رئيس البرازيل الجديد؛ وبما يوحي بأن فترة من عدم الاستقرار تنتظر البرازيل، وهذه أخبار غير سارة للعالم الذي تعد البرازيل ثامن أكبر اقتصاد فيه.