مثَّلَ حادث استهداف ميلشيا الحوثي، المدعومة من إيران، موكب رئيس لجنة إعادة الانتشار في مدينة الحديدة (غربي اليمن)، الجنرال باتريك كاميرت، تأكيداً على استمرار العدوان الحوثي، ونهج العنف المُمارس من جانبهم، وبعد انتهكوا الالتزامات التي سبق وتم الاتفاق عليها في اتفاق استوكهولم، كما مثّل تأكيداً أيضاً على انتهاكاتهم للقانون الدولي، والتصعيد الذي يمارسونه، بما أطال أمد الأزمة في اليمن.
وقد أكدت ميلشيا الحوثي في غير مناسبة، وكان آخرها استهداف موكب رئيس لجنة إعادة الانتشار في الحديدة، على إدارتها الظهر للالتزامات كافة، وقرار مجلس الأمن 2452، الذي يُحتم على الأطراف في اليمن، دعم مهمة الأمم المتحدة هناك.
الرسالة التي من المفترض أن تكون قد أدركتها الأمم المتحدة، عقب عملية الاستهداف الأخيرة، مفادها أن «تلك الميلشيا لا تؤمن بلغة الحوار، ولا بالخطاب السياسي والدبلوماسي، وأنها كلما وجدت لغة ناعمة، مارست ممارسات أكثر صلفاً من جانبها».
رسالة حوثية
وقال وكيل وزارة الإعلام اليمنية، فياض النعمان، إن الخروقات ومحاولة تصفية كاميرت، بمثابة انقلاب جديد، رسالة حوثية عاجلة لمن يهمه الأمر، بأنهم لن ينفذوا أي قرارات دولية، أو تعهدات وعدوا بها في السويد، موضحاً أنهم ظلوا يتحرشون بالمسؤول الدولي منذ رفضه لمسرحية الانسحاب الحوثي الهزلية من ميناء الحديدة، ومطالبته لهم بأن تكون أي خطوات للانسحاب، بموافقة وتنسيق طرفي الصراع، إلا أنهم ما زالوا يرفضون الانسحاب من موانئ ومدينة الحديدة، معتمدين على تفسيراتهم المغلوطة لاتفاق بشأن المدينة.
ومن جهته، اعتبر المحلل السياسي السعودي، ضيف الله بن ساير القرني، أن الحوثيين مليشيا إيرانية مخادعة ومراوغة، مثلما هو نهج قادتهم في طهران، وأنهم يؤكدون للمجتمع الدولي يوماً بعد يوم، تعطيلهم لأي تسوية يمكن أن تحقق الأمن والاستقرار في اليمن المنكوب بوجودهم، مشيراً إلى أن حادث الطائرة المسيرة من دون طيار، التي أدت إلى اغتيال مدير الاستخبارات العسكرية اليمنية، وكذلك الهجوم على موكب رئيس بعثة المراقبين لاتفاق وقف النار بالحديدة، باتريك كاميرت، كلها تقف شاهدة على عدم جديتهم للسلام والتسويات السياسية، ما يجعل استمرار القضاء عليهم عسكرياً، هو الخيار الوحيد.
تهديد
من جهته، قال وكيل وزارة حقوق الإنسان اليمنية، نبيل عبد الحفيظ، في حديثه مع «البيان»، إن «عملية استهداف موكب أممي، برئاسة الجنرال باتريك كاميرت، مثلت رسالة يفترض أن تكون قد تمت قراءتها من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، في صورتها المباشرة.. أن يصل الصلف والغرور والكبر من جانب هذه الميلشيا، إلى أن تقوم حتى بالاعتداء على موكب المبعوث الخاص بالجانب الأمني، ويصل الأمر لتهديد الرجل في اجتماع داخلي، عندما قالوا له سوف نُخرج مسيرات تطالب بعدم وجودك في اليمن.. وبالأمس، كانت هنالك رسالة أخرى، عندما أعلنوا عن رفض القرار الخاص بزيادة عدد المراقبين الدوليين في اليمن.. كلها رسائل على الأمم المتحدة أن تفهمها، وتتعامل معها بصورة مباشرة».
ويتابع: «بعد كل تلك الرسائل السلبية من قبل المليشيا، كيف يقرأ مجلس الأمن والأمم المتحدة هذا التعنت؟»، مشيراً إلى أن هذه اللغة الدبلوماسية التي يتم التعامل بها، لن تجدي شيئاً، فلن تجدي إلا الإجراءات القوية، باعتبار أنه كلما وجدت تلك المليشيا لغة ناعمة وهادئة، كانت أكثر صلفاً، وواصلت ممارساتها العدوانية.
جريمة
أما المسؤول الحكومي اليمني، وكيل وزارة الإعلام، صالح الحميدي، فقال في تصريح لـ "البيان": "أعتقد أن هذا الهجوم، الذي تم على موكب بعثة الأمم المتحدة في اليمن، برئاسة الجنرال باتريك كاميرت، ما هو إلا جريمة تُعبر عن عصابة مسلحة لا تؤمن بالسلام (...)، الشرعية شاركت في مفاوضات السويد، بضغط من الأصدقاء والأشقاء، وأيضاً رغبة منها في السلام، وعدم إراقة الدماء.. بينما المليشيا الحوثية، أغلقت من جانبها كل أبواب التفاهم، وتمارس همجية مقيتة، وها هي عملية الاستهداف، تمثل تعبيراً مباشراً عن تلك الهمجية الحوثية المعتادة من جانبهم".
ويشير في حديثه مع "البيان"، إلى أن "الحكومة اليمنية الشرعية، فضّلت أن تعطي المليشيا الحوثية، فرصة أخيرة للعودة إلى الصواب، فذهبت إلى مفاوضات استوكهولم، بحثاً عن السلام، وتم التفاوض على عدد من البنود، لكنّ المليشيا الحوثية، رفضت رفضاً قاطعاً، تنفيذ أي بند، في ظل محاولاتها لخداع المجتمع الدولي، ذلك أنها في الوقت الراهن، تحاول إفشال التفاهمات كافة، ولقد عبّر عن ذلك استهداف بعثة الأمم المتحدة مؤخراً، وهي جريمة نُندد بها، ونعتبرها استمراراً لممارسات إرهابية تقوم بها مليشيا الحوثي".
لغة البندقية
أما أستاذ العلوم السياسة بجامعة الملك سعود، د. إبراهيم بن نايف الرشيدي، فقد أكد أن الحوثيين لا يفهمون إلا لغة البندقية، فالتوصل إلى سلام حقيقي ينهي الأزمة، غير مطروح في أجندتهم، بل يهدفون من خلال كل المفاوضات التي عقدت منذ اندلاع الأزمة وحتي اليوم، إلى محاولة كسب الوقت، لترتيب أنفسهم وقواتهم، ومحاولة تعويض الخسائر التي لحقتهم في الساحل الجنوبي، مشيراً إلى أن سادتهم في طهران، يدعمونهم في ذلك، لأنهم يريدون نقل تجربة «حزب الله» في لبنان، بتفاصيلها، إلى اليمن، ولأجل ذلك، أنفقت طهران ملايين الدولارات في توفير المعدات القتالية لـ «الحوثيين»، وتدريبهم على القتال.
ومن جانبها، اعتبرت الباحثة اليمنية المقيمة في الرياض، د. نوال العنسي، أن استهداف الموفد الأممي من قبل المليشيا، يجب أن يوصل رسالة إلى الأمم المتحدة، بأنها تتعامل مع عصابة لا تعرف سوى لغة العنف والاغتيالات، مشيرة إلى أن مجلس الأمن، الذي ينتظر بموجب قراره رقم 2451، تقريراً أسبوعياً من الأمين العام للأمم المتحدة، حول مستوى تنفيذ اتفاق استوكهولم، يجب أن يكون قد تلقى الرسالة الحوثية، التي تفيد بأنهم لن ينفذوا قراراتها ولا التعهدات التي وعدوا بها في السويد.
امتيازات خاصة
ويأتي الاعتداء، بحسب الخبير المتخصص في الشؤون اليمنية، الدكتور سيد علي، في إطار "محاولة الحوثيين لي ذراع الأمم المتحدة، من أجل الحصول على امتيازات لم يستطيعوا الحصول عليها في اتفاق استوكهولم"، مشدداً، خلال حديثه مع "البيان"، على أن "الاعتداء الذي تم على بعثة الأمم المتحدة، بقيادة الجنرال باتريك كاميرت، تقع مسؤوليته كاملة على عاتق الحوثيين، ويؤكد استمرار عنفهم وتواصله".
ويشير علي إلى أن "هذا الاعتداء، يبدو أن الهدف منه هو تخويف المبعوثين على أرض اليمن، ومحاولة بث روح الخوف والرهبة في نفوسهم، من أجل فرض أسلوب معين للتعامل معهم، أو الحصول على امتيازات معينة، هم في أمس الحاجة إليها، خصوصاً بعد فشلهم في فرض تلك الامتيازات في اتفاق السويد"، مشيراً إلى استمرار الحوثيين في سياستهم تلك، والتي كانت سبباً رئيساً من أسباب إطالة أمد الأزمة في اليمن، على اعتبار أن نهج العنف والاعتداءات المختلفة، مستمر منذ عام 2004، في بداية دعوتهم المسلحة لمواجهة الدولة والنظام، والآن في مواجهة قوات الشرعية والتحالف، وأيضاً البعثات الأممية.
استهداف
قال المحلل اليمني فؤاد مسعد لـ "البيان" إن "الحوثيين يعتمدون سلوكاً عدوانياً تجاه المجتمع، وتجاه الدولة، وتجاه الوسطاء.. هم أطلقوا النار على المبعوث الأممي إلى اليمن السابق، إسماعيل ولد الشيخ، واستهدفوا الوفود التابعة للأمم المتحدة أكثر من مرة، منها إطلاق النار على المفوض الأممي للشؤون الإنسانية، خلال زيارته لمدينة تعز في العام قبل الماضي.. ومنذ أيام، يهاجمون فريق الرقابة الأممي بوسائل الإعلام، وفي تصريحات قياداتهم، وصولاً إلى استهداف موكبه، وكل هذا، بهدف إعاقة جهود الأمم المتحدة لتحقيق السلام".