يقبع داخل سجون الاحتلال أكثر من 6000 أسير فلسطيني، ترتفع أعدادهم وتنخفض يوماً بعد آخر، بعد الاعتقالات المستمرّة في الضفة الغربية، وخروج قلة منهم بعد انتهاء مدة محكوميتهم، إلّا أنّ عدداً قليلاً يحملون أرقاماً مذهلة ومؤلمة تدخلهم موسوعة «غينيس» بشكل فردي وجماعي، إذ أسسوا مصطلحات مستحدثة في القاموس الفلسطيني، حجزت لهم مكانة ثابتة، وهم داخل أقبية الزنازين.

«الأسرى القدامى»، «عمداء الأسرى»، «جنرالات الصبر»، «أيقونات الأسرى»، كلها مسميات تحمل في ثناياها دلالات ومعاني، أطلقت على الأسرى الذين اعتقلوا قبل توقيع اتفاق أوسلو، ولم يحقق لهم السلام حريتهم المنشودة، فاحتشدت ذاكرتهم بالشهداء والأسرى الداخلين إلى السجن والخارجين منه. أعداد قليلة بمعنويات عالية وهمم صلبة، حتى أصبحوا حديث كل الأسرى الذين أفرج عنهم، متفاخرين بلقاء هذه القامات داخل السجون.

يعتبر الأسير، كريم يونس، والذي منحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح، وهو من عرب 48، أقدم أسير فلسطيني في سجون ومعتقلات الاحتلال، بل وأقدم أسير في العالم، بعدما اعتقله الاحتلال من على مقاعد الدراسة مطلع يونيو 1983.

حكم على كريم يونس بالإعدام شنقاً، وأُلبس بدلة الإعدام لمدة 275 يوماً مكبلاً بالسلاسل من يديه ورجليه، وبدأت عقارب الساعة تتراجع في حياته، وحبل المشنقة يتدلى أمام عينيه ينتظر الرحيل، حتى جاءه الفرج باستئناف الحكم للمؤبد عدة مرات.

وسطر الأسرى حكايات من الشموخ بنضالهم وصبرهم على التنكيل والتعذيب داخل سجون الاحتلال، أفنوا زهرة شبابهم داخل أقبية الزنازين، رافضين الانكسار، ليدفعوا حياتهم ضريبة الانتصار على المحتل. تحتاج قصص الأسرى وما تحكيه من صمود، إلى مجلدات لتروي قصة كل أسير ومعاناته في سجون الاحتلال، ومدى الحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية.

إهمال متعمّد

ويعاني الأسرى القدامى أمراضاً كثيرة نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، إذ فقد الأسير علاء بازيان، وهو سادس أقدم أسير مقدسي، بصره داخل السجن، واستوطنت جسده الأمراض، وآخرون يحتاجون إجراء عمليات جراحية وخطيرة، يماطل الاحتلال في إجرائها وتقديم الفحوصات اللازمة.

لقد كان من ضمن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، إطلاق سراح قدامى الأسرى على أربع دفعات، خلال تسعة شهور، التزم الاحتلال بإطلاق سراح الدفعات الثلاث الأولى، إلا أنّه تنصل من الاتفاق ورفض إطلاق سراح الدفعة الرابعة، الذين كان من المفترض إطلاق سراحهم أواخر مارس 2014، وعددهم 27 أسيراً، ما دفع الطرف الفلسطيني لوقف المفاوضات.

تجربة صعبة

ويشير المختص في شؤون الأسرى، عبد الناصر فروانة، إلى 48 أسيراً مضى على اعتقالهم بشكل مستمر أكثر من 20 عاماً في سجون الاحتلال، بينهم 27 أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن، من بينهم 13 أسيراً تجاوزوا في الأسر 30 عاماً ويزيد، فضلاً عن العشرات ممن تحرروا في «صفقة شاليط» وأعيد اعتقالهم، ومنهم من أمضى على فترتين أكثر من 20-30 عاماً.

وأوضح فروانة، أن الأسرى مروا بتجربة صعبة، ما بين القيود التي فرضتها حكومات الاحتلال حول إطلاق سراحهم، وشروط سياسية وابتزاز يمارسه الاحتلال على القيادة الفلسطينية، وقيام تلك الحكومات بتجزئة الأسرى وتصنيفهم حسب الانتماء السياسي ومكان السكن والتهم الموجهة لهم.

وأضاف: «يطلق مصطلح «عمداء الأسرى» على من أمضوا أكثر من 20 عاماً في سجون الاحتلال بشكل متواصل، و«جنرالات الصبر» على من أمضوا أكثر من ربع قرن، أما «أيقونات الأسرى» فهو مصطلح حديث بعد تزايد أعداد الأسرى الذين أمضوا أكثر من 30 عاماً داخل سجون الاحتلال وعددهم 13 أسيراً».

أحكام مؤبّد

ويقبع في سجون الاحتلال 540 أسيراً يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد لمرة واحدة أو عدة مرات مدى الحياة، فضلاً عن 491 أسيراً يقضون أحكاماً بالسجن أكثر من 20 عاماً.

ويعتبر الأسير عبدالله البرغوثي «46 عاماً» والمعتقل من العام 2003 الأعلى حكماً من بين الأسرى، إذ سبق وأصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية بحقه حكماً بالسجن الفعلي لمدة 67 مؤبّداً. وكشفت مؤسسات تعنى بشؤون الأسرى، عن أنّ سلطات الاحتلال اعتقلت 6500 فلسطيني على الأقل خلال العام 2018، من بينهم 1063 طفلاً، و140 امرأة.