ظلّ الحل السياسي للصراع في اليمن خياراً استراتيجياً تمسّكت به دولة الإمارات منذ نشوب الأزمة اليمنية في العام 2011، ضد حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، إذ دعمت من موقفها المتقدم المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي جنبت اليمن حرباً أهلية مدمرة، قبل أن تقدم ميليشيا الحوثي على اقتحام صنعاء والانقلاب على الشرعية.
ولم تحِد دولة الإمارات عن موقفها الداعي للحل السياسي منذ انطلاق العمليات العسكرية لتحالف دعم الشرعية وانخراطها بفاعلية فيه، إذ ظلّت تؤكّد على الدوام أنّ العمل العسكري هدفه إرغام ميليشيا الحوثي على العودة للخيار السياسي، وهو الموقف الذي تمسّكت به دولة الإمارات طوال سنوات المواجهة ولا تزال، فيما تبدّى هذا الموقف بوضوح أكثر في معركة تحرير الحديدة، إذ أكّدت الإمارات خلال عملية اقتحام المدينة مساندتها للحل السياسي، وأنّ الهدف الأساسي من الضغط العسكري هو عودة ميليشيا الحوثي لطاولة المفاوضات قبل اتفاق السويد.
ودعمت دولة الإمارات عند انعقاد أولى محادثات السلام اليمنية في جنيف في 16 يونيو 2015، جلوس طرفي الصراع في اليمن على طاولة الحوار، إلّا أنّ ميليشيا الحوثي رفضت حينها الاعتراف بقراري مجلس الأمن الدولي 2216 والاعتراف بالشرعية، الأمر الذي أدى لفشل تلك الجولة والجولة الثانية التي عقدت في بيل السويسرية.
ومع التحضير لجولة جديدة من المحادثات، وبعد تحضير استمر سبعة أشهر التقى ممثلو الحكومة الشرعية مع الحوثيين في الكويت، فيما كانت دولة الإمارات حاضرة في هذه المحادثات من خلال موقعها الريادي في قيادة التحالف، ومن خلال رعايتها مع شقيقاتها في دول مجلس التعاون باستثناء قطر، للمبادرة الخليجية التي تم بموجبها نقل السلطة من الرئيس الراحل إلى الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي.
وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي شهدته المحادثات التي استمرت أكثر من شهر، حيث تم الاتفاق على وقف إطلاق النار وتشكيل فرق ميدانية للمراقبة، والاتفاق على تفاصيل القوات التي ستنتشر في صنعاء وتعز، وطبيعة الحكومة الانتقالية التي ستشكل وتتولى إدارة الفترة الانتقالية ودمج المقاتلين وهيكلة الجيش، والتحضير لانتخابات استناداً لقرار مجلس الأمن 2216، فإنّ ميليشيا الحوثي وبعد إعلان الحكومة استعدادها التوقيع على الاتفاقية، عادت وانقلبت عليها وأفشلت مساعي السلام.
دعم السلام
وبعد تعثّر المسار السياسي عقب إفشال ميليشيا الحوثي محادثات الكويت، تشكلت اللجنة الرباعية الدولية بشأن اليمن من أجل دعم الحل السياسي، وكانت دولة الإمارات إحدى الدول المؤسسة لهذه المجموعة إلى جانب الولايات المتحدة والسعودية وبريطانيا، والتي عملت على دعم خيارات السلام، وكان أبرزها مقترحات وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري بشأن السلام في اليمن، من خلال تفعيل اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ التوقيع عليه قبل محادثات السلام في الكويت، ومن ثم استئناف المحادثات حول تنفيذ بنود خطة السلام المستندة على مرجعيات السلام الثلاث، حيث تنص الخطة على تشكيل لجنة عسكرية وأمنية عليا تتولى الإشراف على انسحاب المسلحين من العاصمة وميناء الحديدة وتعز، وتسليم الأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية ومنصات إطلاقها، ليتم عقب إتمام هذه المرحلة من الاتفاق، تسمية نائب للرئيس يكون محل توافق مختلف الأطراف، ومن ثم يفوضه الرئيس عبد ربه منصور هادي بصلاحياته على أن يظل هادي رمزاً للشرعية إلى حين انتهاء الفترة الانتقالية المحددة بعام كامل وانتخاب رئيس جديد للبلاد.
التزام
وفي ظل إصرار ميليشيا الحوثي على إفشال جهود السلام، ومع عودة الخيار العسكري التزمت دولة الإمارات برؤيتها القائمة على أن أي عمل عسكري يهدف لإلزام الميليشيا بالعودة لمحادثات السلام، الأمر الذي تدّلل عليه العملية العسكرية الكبيرة في الساحل الغربي التي انطلقت منتصف 2018 بقيادة دولة الإمارات وقطعت خلالها القوات المشتركة أكثر من 150 كيلو متراً حتى وصلت مطار الحديدة، إذ كانت العملية تهدف لخدمة هذا الهدف وتجنيب المدنيين والمنشآت الحيوية الدمار، وهو ما تبين من خلال القبول بدعوات الأمم المتحدة للتهدئة على أن يُلزَم الحوثيون بالانسحاب من المدينة وموانئها والعودة لطاولة الحوار.
وفي سبيل إنجاح مهمة الأمم المتحدة، منح المبعوث الدولي فرصة إضافية لإقناع الحوثيين بالانسحاب من الحديدة لتجنيبها عملية عسكرية كبيرة، إلّا أنّ مراوغة ومماطلة الميليشيا الإيرانية دفعت دولة الإمارات التي تقود العمليات القتالية للتحالف بالساحل الغربي، لتنفيذ عملية عسكرية أخرى في قلب مدينة الحديدة في نوفمبر 2018 وصلت خلالها القوات المشتركة لمسافة لا تزيد عن 4 كيلومترات من ميناء الحديدة.
حرص
حرصت دولة الإمارات على سلامة مئات الآلاف من المدنيين الذين يسكنون المدينة، وسعياً منها لتجنيب الموانئ الدمار، فقد تركت فرصة أخرى للسلام مع تحديد المبعوث الدولي أواخر العام 2018 موعداً لجولة محادثات مهمة في السويد كُرست لتحقيق هذه الغاية وإلزام الميليشيا بالانسحاب من موانئ ومدينة الحديدة.
وجدّد معالي د.أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، حينها التأكيد على موقف الدولة، مرحباً بمحادثات تقودها الأمم المتحدة بالسويد في أقرب وقت ممكن، مؤكّداً دعوة التحالف للاستفادة من هذه الفرصة لإعادة إطلاق المسار السياسي.