قبل أكثر من مئة عام، افتتح الحاج إبراهيم زبيطو، حانوته الصغير بوسط السوق الشعبي في مدينة الخوخة على الساحل الغربي لليمن.

ومنذ ذلك الحين، اعتاد على الجلوس فوق كرسيه الخشبي، قبالة باب الحانوت، ليستقبل زبائنه الباحثين عن أجود أنواع السمن البلدي، وزيت السمسم والبهارات، وأنواع أخرى من المشغولات والمنتجات اليدوية.

توالت السنوات الطوال، ومرت أحداث كثيرة بالمدينة، والبلاد عموماً، وتغيرت أنظمة الحكم، وتبدلت الأحوال، وبقي زبيطو صامداً في وجه تقلبات الدهر، لم يتغير منه سوى لون شعره، وتغضن بشرته وانحناء ظهره، إلا أنه ما زال يتمتع بكامل حواسه، وذهن صافٍ، وصحة جيدة، يشوبها القليل من وهن الشيخوخة.

يشير زبيطو، في حديثه لـ «البيان»، إلى أن أكثر ما ينغص عليه استمتاعه بالحياة، هو أنه كلما أراد الحديث عن أبناء جيله ومعاصريه، لا بد أن يسبق كل اسم بكلمة «المرحوم»، فكل من عرفهم في شبابه ومنتصف عمره، غادروا الحياة منذ زمن، وظل هو وحيداً يحرس ذكراهم، دون أن يعرف، تماماً، كم مضت من سنوات عمره، وحينما يمر فضولي بحانوته ويسأله، يرد مازحاً: «عمري 7 سنوات»

وبعد إلحاح، يتحدث بالطريقة التي يؤرخ بها سكان الأرياف اليمنية أهم أحداثهم، فيقول: «أذكر أنه عندما غادر الاحتلال العثماني اليمن، وعقد صلح دعان 1911، الذي استلم الإمام يحيى حميد الدين بموجبه السلطة، أي قبل 109 أعوام، حينها كنت شاباً».

ورغم أن أصغر أولاده يبلغ 70 عاماً، وهو الوحيد الذي بقي ليساعده في العمل، إلا أنه لا يتركه وحيداً، إذ لا بد له من الذهاب رفقته إلى الحانوت كل صباح، ليشرف على العمل بنفسه، أو ربما لأن العمل أصبح بالنسبة له عادة يومية، يشير التوقف عنها إلى دنو الأجل.