يومان يمران على دمشق يقلبان تاريخ هذه المدينة المريحة والسهلة الممتنعة، فاليوم طوابير طويلة هو أكثر ما يميز شوارع سوريا في كافة المحافظات، بعدما تراجعت فجأة كميات البنزين الممنوحة للـ«كازيات» (محطات البترول)، وأصبح من الضروري على أصحاب السيارات إما ركنها جانبا، أو الوقوف لساعات تصل للست للحصول على حصتهم من البنزين.
الأزمة اليوم ليست جديدة، ولكن ما زاد الوضع سوءاً أنها ترافقت مع موجة حر خانقة، وأزمة في الخبز جعلت أيضاً لهذه المادة سوقاً سوداء تباع فيه الربطة المكونة من سبعة أرغفة بخمسمئة ليرة في حين أن سعرها هو 50 ليرة فقط.
يخبرنا أحد سائقي سيارات الأجرة بأنه مضطر لتقسيم عمله إلى يوم للانتظار بـ«الكازية» ويوم للعمل، فالانتظار يستغرق ساعات طويلة، امتدت معه من الساعة السادسة صباحاً وانتهت بالساعة الرابعة عصراً، ويقول ساخراً بأنه خلال هذه الوقفة تناول فطوره وغداءه، وحينما حصل على بعض البنزين توجه للمنزل كي يستريح من عناء الانتظار الطويل، ويختم بقهر: «هذه الوقفة الذليلة تعادل العمر بأكمله». في حين يوضح أحمد وهو مالك لسيارة خاصة أنه قرر تقنين تحركاته والاعتماد على المشي بدلاً من تحريك السيارة، أم استخدام سيارات الأجرة التي تضاعفت أجورها ولكنها تبقى أفضل من الانتظار لساعات أمام طوابير «الكازيات».
وبالتوازي مع كل هذه المآسي ظهرت مهن جديدة استغلت الأزمة، فطلال قرر الاستفادة من وقته بعدما توقف عمله، وبدأ ينتظر على «الكازيات» بدلاً من أصحاب السيارات، ومهمته تستغرق في كل مرة حوالي الست ساعات يتقاضى مقابل كل ساعة ألف ليرة، ويقوم عمله على تحريك سيارة الشخص المنتظر والانتظار لحين اقتراب دوره حينها يتصل بصاحب السيارة الأساسي كي يأتي ويُبرز بطاقته الذكية لمسؤول «الكازية» كي يتمكن من ملء سيارته.
كما انتشر باعة المياه الباردة والقهوة أمام الطوابير بهدف تسلية المنتظرين ببعض المشروبات والمأكولات الخفيفة للتخفيف من الحر والملل، ويذكر رجل مسن يعمل على عربة متنقلة بأن هذه الأزمة منحته بعض الرزق، مضيفاً «رب ضارة نافعة».