شهد إقليم كردستان العراق خلال الأسبوع الماضي، احتجاجات شعبية غير منظّمة، طغى عليها الغضب من تراخي الحزبين الحاكمين في حل أزمة الرواتب، حيث لم يتسلم مواطنو كردستان سوى راتبين في ستة أشهر، بعد اقتطاع ربع الراتبين أيضاً، حيث لجأت حكومة الإقليم منذ عام 2016 إلى الاقتطاع من رواتب الموظفين، كطريقة لاستمرارها في تقديم الخدمات.
ويتقاسم حزبان السيطرة على الإقليم، الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني، الذي لا يتسلم أي منصب رسمي، والاتحاد والوطني الكردستاني، وتتزعمه عائلة طالباني. نظرياً، هناك مؤسسات دستورية وبرلمانية لتنظيم وإدارة السلطة، لكن في الواقع العملي، تقاسم السلطة بشكل ثنائي هو السائد.
تعود جذور أزمة الرواتب، والضائقة المالية لإقليم كردستان، إلى عام 2014، حين قطع رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، آنذاك، حصة إقليم كردستان من الموازنة العراقية، بسبب تذرعه بعدم حصول الحكومة المركزية على مبيعات نفط الإقليم. امتنعت حكومة الإقليم عن دفع الرواتب منذ الشهر الأول لقطع بغداد حصة الإقليم، لتدخُل الأزمة ضمن الأجندة السياسية للطرفين، فيما وجد مواطنو الإقليم أنفسهم بدون رواتب لشهور متتالية، الأمر الذي بدد مدّخراتهم، وتراكمت الديون الصغيرة التي لا أفق لسدادها، رغم ذلك. بقيت الرواتب تتقلص، فكل بضعة شهور يتلقى مواطنو كردستان جزءاً من راتب واحد، وامتنعت بغداد عن الفصل بين خلافها السياسي مع أربيل، وبين مستحقات رواتب الموظفين، كما رفضت أربيل إيجاد بديل لأزمة الرواتب، خوفاً من أن يشكل ذلك مهرباً دائماً لبغداد من تحمل مسؤولياتها.
في عام 2019، توصلت بغداد وأربيل إلى اتفاق مبدئي، لكن لم ينفذ. تضمن تحديد سقف الإنتاج في الإقليم عند 450 ألف برميل يومياً. وسوف يسلم الإقليم نحو 250 ألف برميل للحكومة المركزية بالعراق، بينما يستخدم 200 ألف برميل لسداد ديونه لشركات أجنبية.
ويجري الطرفان، مفاوضات ماراثونية هذه الأيام، للتوصل إلى اتفاق جديد. لكن يبدو أن الحل سيكون مؤقتاً، حيث يجري الحديث عن إفراج حكومة مصطفى الكاظمي عن رواتب ثلاثة شهور فقط، وحتى هذا الحل المؤقت، يواجه عقبات كبيرة، بسبب اعتراض كتل سياسية تدور في فلك ميليشيات الحشد الشعبي، صرف أي أموال بدون اتفاق نهائي بين المركز والإقليم، أي وضع اليد على كل مقدرات اقتصاد كردستان. وفي هذا الإطار، حذرت النائبة عالية نصيف، من قيام الحكومة الاتحادية بإرسال مبلغ 960 مليار دينار إلى حكومة إقليم كردستان عن ثلاثة أشهر، مبينة أن أي جهة في الدولة تقوم بتحويل هذه الأموال بدون إيرادات، ستتحمل التبعات القانونية، على حد تعبيرها.
ويرى الطرف الكردي، أن بعض الزعامات السياسية في بغداد، تريد تعميق أزمة السلطات في الإقليم مع السكان هناك، للحصول على مزيد من التنازلات.
ونفت اللجنة المالية النيابية في بغداد، إرسال الحكومة الاتحادية أي مبالغ مالية، مؤكدة أن مستحقات الإقليم مشروط دفعها، بعد التزام أربيل بتسليم الإيرادات إلى بغداد، وأكدت في بيان أن «فحوى الاجتماعات مع وفد الإقليم، هو بحث إيجاد آلية لتسديد الإقليم بدفع ما بذمته من الإيرادات المتحققة للعام الحالي للخزينة العامة»، ويبدو أن إقليم كردستان سيضطر في النهاية إلى تقديم شيء لبغداد، ليس فقط من أجل حل مشكلة الرواتب، ولو مؤقتاً، بل أيضاً لضمان عدم وقوع الكاظمي فريسة لـ «الحشد الشعبي»، حيث إنّ التيار المناهض لإقليم كردستان، يروج للناخبين في بغداد والمحافظات الجنوبية، أن الكاظمي جزء من تحالف يضم القادة الكرد والعرب السنّة.