زواج الأقارب الشائع في اليمن على نطاق واسع يلحق بكثير من الأطفال أمراضا وعاهات دائمة ويحمل الأسر والبلاد أعباء مادية واقتصادية كبيرة وفق ما تظهره الأرقام ، إلا أن الإجراءات للحد من الظاهرة لم تخرج بعد عن نطاق التمنيات وفي أحسن الأحوال الدعوات إلى عمل شيء ما.
وفي الآونة الأخيرة بدأت العديد من مؤسسات المجتمع المدني تسلط الضوء على المخاطر الصحية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن زواج الأقارب، فقد كشفت مؤسسة للثقافة والإبداع وتنمية المرأة خلال مهرجان نظمته شعار "من أجلهن" عن وجود أكثر من 2500 مصاب بمرض الثلاسيميا في امانة العاصمة وحدها. ووجه المشاركون بالمهرجان نداء للحكومة يطالبها بسن قانون ملزم بالفحص قبل الزواج، وحذروا من المخاطر المترتبة على الانتشار الواسع لزواج الاقارب.
وفي وقت سابق كشفت مؤسسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية أن سكان قرية بأكملها مصابون بالعمى بسبب انتشار زواج الأقارب بين الأسر ورفض سكان القرى الأخرى الزواج منهم، والقرية تقع في منطقة بني حسن بمحافظة حجة شمال اليمن، يولد أطفالها متمتعين بحاسة النظر، غير أنه يتلاشى منهم تدريجياً وفي سن الخامسة يفقدونه تماماً، وأن جميع أطفال القرية يصنفون جميعاً تحت فئات ذوي الاحتياجات الخاصة بسبب عدم قدرتهم على مواصلة الدراسة.
يقول الدكتور علي الصبيحي أن زواج الأقارب يخلف أكثر من 20 مرضاً وراثياً غير أن الشائع والمعروف منها، هي أمراض فقر دم البحر الأبيض المتوسط " الثلاسيميا " ونزيف الدم الوراثي وفقر الدم المنجلي، والتكيس الكلوي، فيما هناك أمراض أخرى بعضها قاتل، وأخرى تتسبب في إعاقات دائمة.
ولذلك فالفحص قبل الزواج أو ما يسمى في علم الطب الحديث بالاستشارة الوراثية ضرورية، وهي في أغلب الدول إجراءات إلزامية، لاسيما في البلدان التي تولي الآثار المترتبة عن الأمراض الوراثية اهتماماً صحياً وثقافياً وعلمياً واقتصادياً واجتماعياً عدا في اليمن التي لاتزال حكوماتها المتعاقبة مترددة في سن قوانين على الرغم من الدعوات والنداءات التي تطلقها المؤتمرات والفعاليات الطبية والصحية.
وتشير الإحصاءات المتاحة إلى أن ارقام الأمراض الناتجة عن زواج الأقارب في اليمن مقلقة إلى حد كبير. واستنتجت دراسة مسحية سابقة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن حوالي 10 في المائة من نسبة سكان البلاد يعانون من إعاقات سمعية، وقدرت إجمالي عدد المعاقين في اليمن بحوالي 2 مليون معاق يعانون من إعاقات مختلفة حركية، سمعية، بصرية، ذهنية، نطق.. إلخ، وأن زواج الأقارب المنتشر بين اليمنيين بنسبة 50 % يمثل أبرز العوامل الرئيسة التي تتسبب فيها الأمراض والإعاقات الوراثية.
وخلاصة القول إن واقع انتشار الأمراض الوراثية على النحو المذكور يقتضي الإسراع بسن قانون إلزامي لفحص ما قبل الزواج ووضع آليات صارمة لتطبيقه، خاصة في الأرياف والقرى التي تنتشر فيها عادة الزواج بالأقارب بنسبة عالية تفوق المتوسط مقارنة بانتشارها في عموم البلاد.