مثلما تحظى بنايات القاهرة الخديوية التي تُعرف بـ «وسط البلد» بخصوصية فريدة من نوعها ثقافياً ومعمارياً، تكتسب مقاهي المنطقة خصوصية فريدة أيضاً، ذلك أنها تتحول خاصة في المساء إلى منتديات مفتوحة تجمع المثقفين والإعلاميين والفنانين والساسة، وتكتسب العديد من هذه المقاهي مثل ريش، غزال، زهرة البستان، البورصة، وجروبي، شهرة ومكانة خاصتين. ومع احتسائك كوب شاي أو فنجان قهوة أو النرجيلة يمكنك أن تتعرف إلى أحوال المجتمع من خلال النقاشات الدائرة بين الجالسين.

وتتعالى الضحكات تارة والنقاشات السياسية الساخنة تارة أخرى، مع قصيدة يلقيها أحدهم، أو أغنية يدندن بها موهوب جديد، مختلطة بدخان السجائر والشيشة وروائح المشروبات وأصوات النادل ينادي على طلبات الزبائن أو يرحب بقادم جديد أو يودَّع مغادراً، ليمكنك أن تشاهد كل فئات الشعب المصري في برلمانهم الشعبي الذي يجتمعون فيه بعيداً عن الرسميات، بداية من العامل الذي يأخذ من تلك المقاهي محطة لراحته بين العمل والذهاب لمنزله، والموظف الذي يلتقي أصدقاءه، وصولاً إلى المثقفين والشخصيات السياسية التي تجتمع لمناقشة الأمور العامة والتطورات السياسية، وتختلف المقاهي في أسعارها ومظهرها الخارجي لكنها تتفق في روحها الجاذبة للشباب والكبار على حد سواء.

تعدّد نكهات

ويرى الكاتب والناقد أحمد عبد الرحمن الخميسي، أن «منطقة وسط البلد ليست واحدة المذاق بل متنوعة ومتعددة النكهات، فلها بعد تاريخي حيث أسسها الخديوي إسماعيل بمعماريتها الجميلة، وعماراتها التي تمتاز بالذوق الراقي، الأمر الذي انعكس على المقاهي والشوارع والمكتبات والمنتديات التي تحفل بها المنطقة، كما أنها تشمل عدداً من المقاهي الشهيرة التي جذبت عدداً من أقطاب الفن والثقافة والأدب، وخرجت أعمالهم للنور بعدما كتبوها في تلك المقاهي، ومنهم الأديب الراحل نجيب محفوظ والشاعر أمل دنقل والشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي».

وتابع الخميسي: «مقاهي وسط القاهرة شاهدة على كثير من الأحداث على مدار المائتي عام الأخيرة، لاسيما في الفترة التي قادت إلى ثورة 25 يناير 2011، وهي الحالة المستمرة حتى الآن».

انعكاس مجتمع

أما صاحب مقهى غزال أحد أشهر مقاهي وسط البلد غزال صبحي، فيرى، أن «منطقة وسط البلد هي جزء لا يتجزأ من القاهرة، والمقهى هو انعكاس للبلد ككل فهي تجذب جميع طبقات الشعب المصري الغني والفقير، المسؤولين والمواطنين العاديين والفنانين والمثقفين، والشباب وكبار السن، فتلك المنطقة بمقاهيها تمثل مصر بكل طبقاتها وفئاتها، فهنا تجد مساحة حرية أكبر للحديث، الكل هنا يمارس حقوقه ويراعي حقوق غيره».

وأوضح أن مقهاه قائم منذ 40 عاماً شهد خلالها كل التغييرات التي طرأت على مصر بأكملها، مؤكداً أنه «أحياناً كثيرة يستمتع باستماعه لمناقشات رواد المقهى، ويقف ليشاهد سجالاتهم في وجهات النظر خاصة عندما يتحدثون في الشأن العام وسياسات الدولة وما تمر به مصر من تحديات أو صعوبات، كما أن هذا المقهى شهد الكثير من الأحداث التاريخية فكان نقطة التقاء وانطلاق للكثير من المتظاهرين على حكم جماعة الإخوان».

خصوصية

أما هاني الزهري مدير سابق لأحد البنوك فيقول: «مقاهي وسط البلد ملتقى متجدد لزبائن يمثلون المجتمع ككل، فهناك من خرجوا على المعاش مثلي، وهناك النشطاء والمشاهير والمواطنون البسطاء الذين لا يشغلون أنفسهم بالسياسة، إذن هي تعكس ثقافة المصريين، وفضلاً عن خصوصيتها، فإن تركز الفعاليات بمنطقة وسط البلد جعل مقاهيها تحمل روح الثورة وطابع الشخصيات التي تتردد عليها». وأضاف إنه لا يشغل باله بالنقاشات السياسية التي تدور بين البعض، بل يجد متعة من نوع خاص في ممارسة هوايته في اقتناء الساعات النادرة، والتي يعرضها عليه كثير من المتخصصين في هذا المجال والذين يتجمعون في أحد المقاهي بشارع الألفي.