حصدت قافلة الجرافات والشاحنات القلابة الممولة من أكراد تركيا، والمحملة بأنابيب مدّ المياه، ترحيباً حاراً، باختراقها البلدة التركية الأخيرة قبل الحدود مع سوريا، في طريقها إلى ما تبقى من بلدة كوباني المدمرة.
في يناير الماضي، شهدت بلدة عين العرب شمالي سوريا، ما عرف في ذلك الوقت بالهزيمة النادرة الحدوث لقوى «داعش»، بعد معركة دامت أربعة أشهر، مع قوات الدفاع الكردية العنيدة، المدعومة بهجمات السلاح الجوي الأميركي.
وكانت أخبار معركة بلدة عين العرب، قد احتلت عناوين الصحف، وكان المسؤولون الأميركيون قد صوروا المعركة كدليل على نموذج حشد القوى بفعالية لهزيمة «داعش» في كل من العراق وسوريا. وهو نموذج قائم على توظيف الميلشيات المحلية، أو الجنود المشاة، مع الإبقاء على تدخل الولايات المتحدة من الجو بشكل آمن.
إلا أن النصر المحقق الناجم عن مثل تلك المعركة الرمزية المشهودة قد أولدت، بدايةً، توقعات عالية حيال إعادة البناء، بعيدة كل البعد عما تم تحقيقه فعلياً في كوباني. وجد سكان البلدة العائدون، أن هول الدمار والحطام المفخخ بالمتفجرات والحقول المزروعة بالألغام، قد شكل رديفاً لتخفيف وهج الزهو بالانتصار، الذي تحقق مقابل ثمن باهظ.
وعلى الرغم من مهمة إعادة البناء الشاقة وهزالة المساعدات، أعرب الشعب والقيادة الكردية في سوريا، عن عمق الامتنان للمعونة العسكرية الأميركية، وأظهروا نوعاً من الأسى على غياب الإعانات المشابهة لإعادة البناء.
وقال بوزان خليل، أحد المسؤولين في كوباني، حول جهود جمع الأموال: « لن ننتظر الناس ليأتوا، كما أن مشروعنا لا ينتظر الحرب لتنتهي. نعلم أن سوريا كلها مدمرة، لكن علينا الاعتماد على أنفسنا». ويعتقد أن 65 ألف شخص قد عادوا إلى كوباني، حيث قطن معظمهم في القرى، مع وجود 25 ألف شخص في المدينة وحدها.
قضت الحرب على ركنين أساسيين في اقتصاد كوباني القائم على الزراعة والبناء. وقال أحد كبار عمال الإغاثة، رافضاً الكشف عن اسمه: «الحيوانات كلها نفقت، وحقول القمح التي حصدت قوات (داعش) محصولها، زرعتها ألغاماً يدوية الصنع. تعتبر نسبة التوقعات على الأرض في كوباني عالية، إلا أن الكوبانيين لم يحظوا إلا بالقليل من المساعدات منذ انتهاء الحرب، ما جعل تلك التوقعات تتدنى».
قدرت فرق التقييم المحلية في كوباني، أن 75 في المئة من المدينة مدمر بشكل كبير، ويقول مسؤولون محليون إن تكلفة إعادة الإعمار، قد تصل إلى سبعة مليارات دولار.
وقال مصطفى عبدي رئيس قسم الخدمات المحلية في كوباني، والمدير المشترك لجهود إعادة البناء: «التحدي الأكبر الذي نواجهه، هو غياب الماء والكهرباء والمعدات التي قد تساعدنا للبدء من جديد، إلا أننا نتحلى بالإرادة ونحاول الإعمار».
تسير عجلة التقدم في كوباني ببطء، إلا أن رد الفعل الشعبي رزين حسب رأي عبدي، الذي قال: «إنهم يفهمون، ولا يضغطون علينا، لم يكن لديهم مانع، لأنهم خسروا العديد من الناس، والدمار لا يساوي شيئاً مقابل الأرواح التي أزهقت في محاولة الحفاظ على الأرض».
مدينة أشباح
قال الشيخ أحمد حمو، أحد الأكراد السوريين، الذي قتل ابنه على يد قناص مع بداية المعركة، فقال: «إنها مدينة أشباح وقتلى. لقد خسرت منزلي، لكن هذا غير مهم، مقارنةً بخسارة الأرواح تفادياً للخضوع لحكم الراية السوداء لـ (داعش). لا نملك شيئاً، لا وقود، ولا طعام. ولكل عائلة وضعها، وسنعود في النهاية».