قيل الكثير حول نتائج الاتفاق النووي مع إيران، سيما لناحية تأثيره الإقليمي. وقد حذرت الدول العربية وغيرها من الهيمنة الإيرانية، وطالبت بتحرك أميركي جاد لـ«التصدي». إلا أن المكان الوحيد الذي يرغبون بمعاينة تدخل أميركي ملحوظ فيه هو المكان الذي بالكاد تهتم أميركا بإقحام نفسها فيه، وهو سوريا.
وتنهمك الدول العربية، في أعقاب الاتفاق، في القيام بأمرين، من شأنهما المساعدة في تحصين الشرق الأوسط بوجه مدّ النفوذ الإيراني، يتمثلان في حل الحروب الأهلية المريرة التي تنهش العالم العربي، وتعزيز مرونة شعوبها العربية. لذا فإنه ليس هناك الكثير من التوقعات بأن يحدث الاتفاق النووي فارقاً كبيراً في مشهد الفوضى والعنف المتزايد في المنطقة.
من المدهش أن ندرك إلى أي مدى ساهم عقدان من التدخل الأميركي العسكري في الشرق الأوسط بإعادة صياغة توقعات العرب، الذين لا يستطيع بعضهم تخيل العيش بأمان، إلا في ظل انتشار أعداد هائلة من جنود الجيش الأميركي.
تحرك عاجل
تعتبر كل من إيران و«داعش»، سيما في ظل أعمال التفجير الأخيرة في القطيف والكويت، المستفيدين الكبيرين من الانقسامات الداخلية الحاصلة في المنطقة، وما من شك في أن إيران كانت تتطلع إلى حصول مثل تلك الفرص، وكانت متحمسة لانتهازها. ولا تزال الحكومات العربية تعيش في ظل الفوضى التي تعم المنطقة، لكنها وبدلاً من الاستمرار في اتباع سياسة الأبواب المشرعة والسماح بامتداد الأيدي الغريبة، تستطيع القيام بأمرين في سبيل محاولة قلب المسار، ومن خلال ذلك تعزيز احتمالات التدخل الأميركي بشكل أكثر نشاطاً في المنطقة على طول الخط.
أولاً، تحتاج الحكومات العربية للتحرك بشكل عاجل نحو الدفع بإيقاف سريع للحروب الأهلية التي تجتاح العالم العربي. إذ لا يسهل العمل مع الأحزاب المنقسمة في اليمن وسوريا وليبيا، لكن يستطيع القادة العرب ضمان أن يدعم إشراكهم على خط الحل الدبلوماسية ومفاوضات السلام، بدلاً من تعميق الانقسامات بين الفصائل وإطالة أمد القتال. وذكرت التقارير أن ذلك كان أحد بنود الأجندة المتفق عليها في قمة كامب ديفيد، إلا أن المتابعة أتت بطيئة الوتيرة.
ثانياً، ينبغي على الحكومات العربية بذل ما في وسعها بشكل عاجل لتدعيم ثوابت المرونة داخل مجتمعاتها، ومقاومة الجهود الإيرانية القائمة على الاختراق والتخريب والتلاعب. ويكمن السبيل الأمثل لذلك في التصرف بشكل فوري لإخماد الفتنة الطائفية ،التي برزت في السنوات القليلة الأخيرة وبذل جهود إيجابية ضمن نموذج أكثر شمولية وتعددية من المواطنة والحكومة.
مخاوف وأولويات
وفي حين أن بعض رجال الدين والحركات السنية لديهم مخاوف وأولويات فيما يتعلق بالأشكال «المنحرفة» للإيديولوجية، فلا بد للدولة من أن تتبع نهجاً حيادياً حاسماً في التعامل مع مواطنيها على قدم المساواة، كما يتعين عليها ألا تكتفي بالشجب، بل العمل على مناهضة جهود تلك الحركات الآيلة إلى تصنيف أي من مواطنيهم ضمن فئة الأجانب غير الشرعيين.
وليس من شأن الإجراءات الضامنة للتسامح وحماية الأقليات الدينية والإثنية في العالم العربي أن تقوي تلك المجتمعات بوجه نهج التخريب وحسب، بل ستعمل على تهميش أصوات التطرف الديني المنضوي تحت لواء تنظيم «داعش» وما شاكله. أضف إلى ذلك أنها ستعزز تصميم تلك المجتمعات على التصدي لدوامة العنف القائمة على الفعل ورد الفعل، التي يعول عليها المتشددون من جميع الأطياف تعزيزاً لغاياتهم.
لقد أغضب الرئيس الأميركي باراك أوباما الحكومات العربية بإعلانه قبيل انطلاق قمة كامب ديفيد أن التهديد الأمني الأكبر قد لا يكون مصدره عدوان خارجي بقدر ما ينبع من مجتمعاتها الداخلية. إلا أن مراقبة طبيعة السلوك الإيراني في الشرق الأوسط تظهر أن هذين التهديدين قد يكونان وجهين لعملةٍ واحدة. وإن كان قادة العرب يخشون من عواقب رفع العقوبات عن إيران، فبإمكانهم انتهاز الفرصة اليوم لتدعيم ركائز مجتمعاتهم وتحصينها، استعداداً لمواجهة الأحداث المقبلة الممكنة.
سؤال
بادر الرئيس الأميركي باراك أوباما للقول إن دعمه للاتفاق: «لا يعني أنه سيحل خلافاتنا مع إيران. إننا نتشارك المخاوف نفسها لعدد من أصدقائنا حيال دعم إيران للإرهاب، ولجوئها إلى الحروب بالوكالة لزعزعة استقرار المنطقة».
وفي حين أن رفع العقوبات عن إيران سيزودها بمزيد من المصادر، فإنها لم تفتقر يوماً للدافع إلى فرض هيمنتها ا. إلا أن السؤال الحقيقي حول سلوك إيران الإقليمي لا يتمحور حول ما إذا كان الاتفاق يشكل خطورة على الشرق الأوسط لتزويده إيران بالقدرة على التسبب بالمشكلات، فالمشكلات موجودة أصلاً. السؤال هو: ما الذي ستفعله أميركا وحلفاؤها حيال ذلك؟