يجمع المراقبون على أن عام 2015 كان عاماً حافلاً بالمفاجآت ابتداءً من البقاء غير المتوقع لقوة حملة دونالد ترامب الرئاسية إلى التخفيض المفاجئ لعملة الرينمنبي الصينية في الصيف الماضي، وكان أيضاً عاماً برزت فيه أربعة تيارات لم تكن كلها موضع ترحيب ويتوقع أن تمتد لتشكل أبرز ملامح عام 2016.

تمثل التيار الأول في إدراك العالم أن الحدود الدولية لم تعد ثابتة، فإذا كان هناك أي أمل في أن القرم ستعاد إلى أوكرانيا، الأمر الذي يكفل الحفاظ على أعراف ما بعد الحرب التي تفيد أن الدول لا تغزو ثم تضم رسمياً أجزاءً من دول أخرى ذات سيادة، فإن هذا الأمل قد تبدد في عام 2015.

وكما عبر الصحافي البلغاري ديميتر كيناروف عن الأمر أخيراً، فإنه: «لا مجال للعودة، والقرم قد تكون قلادة مهمة حول عنق روسيا، ولكنها أيضاً جوهرة التاج التي ستحرسها موسكو أياً كان الثمن. وشبه الجزيرة لن تخرج من سيطرة موسكو إلا إذا تداعى الاتحاد الروسي نفسه».

ظاهرة ترامب

والحديث عن دولة سنية جديدة ستظهر بعد هزيــــمة تنظـــيم «داعش»، يشير إلى أن بعضهم يعتبر حدود سوريا والعراق خطوطاً في الرمال، وأن المجتمع الدولي لم يعد ينظر إليها على أنها لا تمس.

على صعيد آخر أكثر إيجابية فإن الهند وبنغلاديش قد بسطتا حدودهما بتبادل بعض من حوالي 200 جيب تقع في المنطقة الحدودية بينهما، الأمر الذي أثار الاضطراب والحيرة منذ زمن ليس بالقصير.

التيار الثاني مفاده أن عام 2015 هو العام الذي بدا فيه أن الأحزاب السياسية والمرشحين للانتخابات قد فقدوا هيمنتهم في العديد من الأنظمة الديمقراطية الكبرى. وفي أميركا، نجد أن ظاهرة دونالد ترامب قد فرضت حضورها ونحت قادة جمهوريين أقل تطرفاً إلى الهامش، بمن في ذلك سكوت ووكر وجون كاش وبوبي جندل.

وفي أوروبا انتزع حزب سيريزا المنتمي إلى أقصى اليسار الفوز في اليونان مقلصاً حصيلة حزب باسوك الاشتراكي القوي إلى أقل من 5% من الأصوات في انتخابات يناير العامة.

قدرات الصين

وفي أجزاء أخرى من قارة أوروبا، ربما لم تسيطر أحزاب جديدة على السلطة بنفسها، ولكن بدءاً من الجبهة الوطنية في فرنسا، إلى حزب الشعب الدنماركي، ساهمت في «إعادة صياغة النظام السياسي» على نحو ما عبر مارك ليونارت من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، والذي أضاف: «الأحزاب الوسطى التي أدارت الحياة السياسية على الفترة الماضية، يجري استهلاكها وإحلال أحزاب تخاطب الأقليات محلها».

أشار التيار الثالث إلى أن عام 2015، هو العام الذي بدا فيه واضحاً المدى الحقيقي لتأكيد الصين لنفسها، وقد أظهرت الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية لبحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، أن عمليات بناء الجزر التي قامت بها الصين كانت هائلة بحيث أطلق عليها «سور الرمل العظيم»، وأن عمليات بناء الجزر أكثر امتداداً مما كان معتقداً في السابق.

وتبدو مجموعة من المباني أكبر من مجمع البنتاغون بينما تتعدد مدارج الطائرات ذات القدرة العسكرية الواضحة، وقد رفضت الصين بشدة الاحتجاجات التي أعربت عنها بلاد لها مطالبها فيما يتعلق بالصخور والحيد المرجاني في بحر الصين الجنوبي.

نهاية التاريخ

وأوضح التيار الرابع أن «النهاية التاريخية والتبني الشامل الوشيك للديمقراطية الليبرالية الغربية» الذي روج له المفكر فرانسيز فوكوياما لا يزال بعيداً كعهده في السابق.

حقاً إن «الديمقراطية غير الليبرالية»، كما عبر عنها فكتور أوربان رئيس وزراء المجر بشكل استفزازي، تزداد قوة في أجزاء من العالم.

وأشار أوربان في هذا الصدد إلى روسيا باعتبارها بلداً حقق نجاحاً دون أن يتبنى الليبرالية، وقال إنه أياً كانت الانتقادات التي وجهت إلى روسيا في الداخل والخارج، فإنه لا سبيل إلى إنكار الشعبية التي يتمتع بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الرغم من وجود تيارات انتقادية لسياساته الداخلية والخارجية على السواء.

عملاق نائم

التيارات الأربعة التي سبقت الإشارة إليها، قد لا تبدو رباعية بالغة الجاذبية، وذلك على الرغم من أن تأكيد الصين لنفسها يبدو أقرب إلى «عملاق نائم» يستيقظ ليأخذ مكانه في العالم أكثر من أي شيء يخشاه المراقبون، ولكن جرعة باردة من الواقعية أفضل من الافتراضات المتواطئة والنزعة المثالية التي تفتقر إلى المعلومات التي أدرجت في تحليل هذه التيارات في المقام الأول.

إذا اتبع صانعو القرارات في 2016 النصيحة التي تقدم بها جاك ويلش، وهي: «تعامل مع العالم كما هو وليس كما تحب أن يكون عليه»، فإننا قد نجد أنفسنا أمام اختصار أسعد للتيارات السياسية الأساسية في نهاية عام 2016.