خلال قمة قادة آسيا -المحيط الهادئ السنوية في مانيلا في نوفمبر الماضي، بحث الرئيس الأميركي باراك أوباما عن شخصين، من أجل إجراء حوار عاجل، ليس مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كانت قواته مشغولة بتغيير الحقائق على الأرض في سوريا، ولا الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي تعود استراتيجيته الاقتصادية العالمية بالفوائد على الصين.

وبدلاً من ذلك، سعى أوباما إلى لقاء اثنين من رجال الأعمال، هما جاك ما، المدير التنفيذي لشركة التجارة الإلكترونية الصينية العملاقة «علي بابا»، والمبتكر البيئي من الفلبين إيسا ميجينو. وألقى أوباما خطاباً مختصراً، وظل قرابة نصف الساعة يدير حلقة نقاش مع رجلي الأعمال.

حل المشكلات الاقتصادية

رسالة أوباما الصريحة كان مفادها ضرورة أن تعمل الحكومة ومشروعات الأعمال معاً لحل مشكلات الطاقة والبيئة. والرسالة غير المعلنة كانت أقوى. في الفندق المكتظ بالقادة، شعر رئيس الولايات المتحدة بأن هناك الكثير مما يمكن أن يكسبه بالحديث مع الناس، بدلاً من الحديث مع نظرائه، وربما كان محقاً في ذلك.

في عالم مليء بحالات الطوارئ تعتبر القيادة مهمة، وفي عام 2016 سيصبح من الواضح على نحو لا يمكن تجنبه أن العالم يفتقر إلى القيادة. والأيام التي سيطر فيها رؤساء مجموعة السبع كالولايات المتحدة وألمانيا على الاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية قد ولت بلا عودة.

المجموعة الدولية اليوم تعتبر مجموعة «جي-20» الموسعة، التي تعد أكبر بكثير، بما في ذلك قوى ناشئة مثل الصين والهند، ولكنها توافق على أمور أقل. وقد تسمى النتيجة اليوم «عالم جي صفر». وهو التجمع العالمي، الذي لا يشترك أعضاؤه في القيم السياسية أو الأولويات، وليست لديهم رؤية مشتركة من أجل المستقبل. وعالم «جي- صفر»، الذي أمضى سنوات عديدة في التشكل آخذ بالتحقق الآن بصورة كاملة.

وعلى الرغم من كل خطب المرشحين الرئاسيين الأميركيين، فإن واشنطن لم يعد بوسعها حتى أن تتظاهر بأنها تلعب دور شرطي العالم،لأن الدعم العام لم يعد موجوداً لأي التزام طويل الأمد بنشر قوات أميركية، وإنفاق أموال دافعي الضرائب.

مشكلة «جي صفر» اليوم تضغط بشكل أكثر إلحاحاً في الشرق الأوسط منها في أي مكان آخر، حيث الشيء الوحيد الأسوأ من القيادات السلطوية هو الدول التي تعمها الفوضى، التي تفتقر إلى القيادة كلية. وهناك العديد من الدول العربية، التي يتوقع لها المراقبون أن تواصل التعرض لرياح المتاعب في العام الجديد.

ستتواصل إراقة الدماء في اليمن، التي تعتبر أسوأ أزمة لا يتحدث عنها العالم. وفي العراق فإن الحكومة، التي يسيطر عليها الشيعة ستصدر كمية أكبر من النفط، ولكنها لن تفعل شيئاً كي تقنع الأقلية السنية في البلاد بالوقوف ضد «داعش»، وهي الخطوة المهمة من أجل استعادة الأراضي، التي يسيطر عليها التنظيم.

الاستهداف العسكري

الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا ودول أخرى ستواصل قصف سوريا. وسيواصل ذلك إحداث تأثير عسكري محدود. وسيشكل الدفق الهائل من اللاجئين السوريين في لبنان والأردن عنصر ضغط على موارد البلدين بشكل كبير.

وسيوسع تنظيم «داعش» من نطاق قدراته الدولية، وإن كان ذلك لن ينطبق على أراضيه في العراق وسوريا، التي ربما كانت قد وصلت إلى ذروة تمددها، ولا بد لها من أن تنحسر، فضلاً عن تمكنه من وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل المشفرة وقدرته على اجتذاب متابعين جدد حول العالم. ولا تحقق المجموعة الإرهابية هذا فقط من خلال التشجيع على هجمات عنيفة، بل من خلال إقناع الآخرين بأن بمقدورها بناء إمبراطورية بحدود يرسمها مسلمون لا سياسيون غربيون.

وهناك سبب للتخوف من أننا سنرى المزيد من الهجمات الإرهابية في عام 2016 لأن دخول دول أخرى إلى الصراع السوري سيجعل من الصعب على الشبان المجــــندين الانضمام إلى تنظيم «داعش» في ســـوريا، وعوضاً عن ذلك تجري دعوتهم لشن هجمات في المكان الذي يقيمون فيه. وفي الـــشرق الأوسط أكثر من أي مكان آخر، يتـــكاثف القتال، ولا يمكن لقائد غربي قبول الثمن الباهظ، الذي يأتي مع التصدي لقيادة الجهود الهائلة المطــــلوبة لاستعادة شيء كالنظام.

سؤال

لا يستطيع قادة أوروبا تقديم المساعدة، فهم مشغولون كثيراً بمسالة المهاجرين، ويناورون حول خصومهم السياسيين الشعبويين، ويعملون للإبقاء على بريطانيا داخل الاتحاد الأوربي، وأن يساعدوا اليونان لإيجاد مصدر يدر المال على المدى البعيد. الصين لن تملأ فراغ مجموعة «جي- صفر».

من سيقود مهمة تدمير تنظيم «داعش»، وإحلال الاستقرار في الشرق الأوسط، واحتواء تدفق الأسلحة الخطرة والتخفيف من حدة التغير المناخي؟ هذا سؤال تتعذر الإجابة عنه. وستصبح حرائق العالم أكثر اشتعالاً في عام 2016 لأنه لا أحد يعتقد أن بإمكانه تحمل التكاليف والمخاطر ،التي تتأتى من إطفائها.