وصل حصار سراييفو إلى نهايته، قبل عشرين عاماً من اليوم، بعد أن كان جزءاً من عدة حروب عصفت بدول البلقان لسنوات أعقبت عام 1991، لتتزامن نهاية الحصار مع لحظة حاسمة من تفكك يوغوسلافيا.
وبعد مرور عقدين من الزمن، وليس بعيداً للغاية من سراييفو، هناك حصار آخر على وشك أن يبدأ. وفي ظل استمرار الهدنة في سوريا، وهي الأولى الأساسية في غضون خمس سنوات مضت، يميل المرء للاعتقاد بأنها تشكل أساس نهاية الصراع. إلا أن مصير حلب، المدينة السورية الأكبر، لم يبتّ فيه بعد.
وعلى الرغم من عدم اتضاح صيغة إعادة بسط سيطرة قوات النظام على المدينة، فإن السكان فيها يخشون إما من التجويع أو التعرض للقصف بالبراميل المتفجرة لحضهم على الإذعان، في مؤشر على دخول حصار حلب أبشع أوجه الحرب.
ومن الأهمية بمكان الغوص في كيفية إنهاء الحصار والدروس التي يمكن تعلمها من سراييفو في سوريا اليوم. ويشير أولئك الذين يرون قواسم مشتركة بين اتفاقية دايتون ومباحثات جنيف إلى أن الأولى جمعت العديد من أبرز المؤثرين في الحرب، وحظيت بدعم أميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي وغيرها. ويدور النقاش اليوم حول ضرورة إشراك مختلف الأطراف في الصراع السوري، وأهمية تغليب الدبلوماسية على التحرك العسكري.
ويغفل هذا التناظر،على صحته، أحد المكونات المهمة، حيث إن الإرهاق من الحرب لم يكن السبب في إنهاء حصار سراييفو وجمع المتحاورين حول الطاولة، بل قوة السلاح.
ومن هذا المنطلق، فإن التدخل الروسي في سوريا يشبه كثيراً تدخل حلف «ناتو» في يوغوسلافيا. وقد أتاحت روسيا انطلاق مباحثات السلام، بعد أن أظهرت أنه لا يمكن هزيمة قوات الأسد بقوة السلاح.
ويكمن الفارق المفصلي الآخر في الإرادة السياسية، حيث إنه بغياب الدفع الأميركي باتجاه الحلّ، وإبداء الاستعداد للجوء للقوة للوصول إلى تلك النتيجة، ما كانت الحرب لتنتهي. أما العكس فيما يتعلق بالتدخل الأميركي في سوريا فواضح.
كما أنه لا توجد في سوريا اليوم أي خطة واضحة من جانب المعارضة لإنهاء الحرب، حيث يبقى المخطط الوحيد على المدى البعيد هو الذي طرحه الرئيس السوري بشار الأسد، والمتمثل باستعادة المدن الرئيسية وخوض حرب طويلة ضد مقاتلي المعارضة، بالتزامن مع ترويع شعبه. وهكذا، وبغياب بديل واضح للخطة، فإن الصراع سيستمر حتماً.
في يوغوسلافيا، تم القبول بالخطوط العريضة التي حددت تقسيمات المناطق على أسس إثنية، وتمحور السؤال الحقيقي الأوحد حول مكان رسم تلك الخطوط. أما في سوريا فلا وجود لأي اتفاق، حيث إن كلاً من المعارضة والنظام يريدان الحصول على سوريا بأكملها.
وهنا يكمن الجانب الأكثر إثارةً للرعب في سوريا، فبغياب خطة واضحة، لا جدوى للدبلوماسية. وقد أشار البعض إلى ما يعنيه ذلك من أمور مريعة، إذ إنه بعيداً من الهدنة ومصير حلب اللذين يقرران نهاية الحرب، أو بداية النهاية، فإن الوضع قد يتحول إلى مجرد نهاية البداية، ويعلن أن حرب سوريا، على رعبها، لا تزال أمامها سنوات.
تناظر
كما حلب في سوريا، كذلك كانت سراييفو أكبر مدن البوسنة، التي تعرضت للحصار أربع سنوات متتالية، عاش خلالها السكان في خوف من القناصة، وتعرضوا للقصف المستمر، إلى أن تم التوصل إلى اتفاقية دايتون للسلام عام 1995، التي أنهت حصاراً دام أكثر من حصار لينينغراد، واتسم بأنه كان الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية.