تصدر عناوين الصحف، أخيراً، خبر منع فلسطينيَّين اثنين من السفر على متن إحدى رحلات الطيران الإيجي المتجهة من أثينا إلى تل أبيب، بعد أن زعم إسرائيليون أنهما يشكلان «خطراً أمنياً».
ولم يكد يمضي على الخبر بضعة أسابيع، حتى أثار منشور لإحدى شركات التنظيف الإسرائيلية موجة من الغضب الناجم عن إعلانها نظام تحديد أجور الموظفين وفق عرقيتهم، وتناقل العالم الحدث أيضاً.
ويشكل هذا النوع من المواقف بالنسبة للبعض دليلاً على وجود نزعة عنصرية يؤكد مراقبون أنها متغلغلة ومتأصلة في المجتمع الإسرائيلي. أما بالنسبة لبعضهم الآخر، فهي لا تتعدى كونها أمثلة منفصلة على الرجعية والغباء.
والتفسيران لا يصيبان في الواقع. ففي حين ترتفع أصداء تلك الروايات وتنتشر كالنار في الهشيم الافتراضي، فإنها قد تغشي الواقع الذي يقول إن العنصرية هي القانون الذي يحكم إسرائيل.
ويشكل انعدام المساواة في إسرائيل مكوناً مؤسسياً، فخلافاً للمفهوم الشائع، فإنه لا يوجد أي ضمانةٍ لتحقيق مساواة تامة بين المواطنين اليهود والفلسطينيين.
ويتمثل التشريع الأقرب الذي يذكر الالتزام المحدد بالمساواة في القانون الأساسي تحت عنوان الكرامة الإنسانية والحرية، الذي تبنته إسرائيل عام 1992، علماً أنه ليس لديها دستور مكتوب، بل عدد من «القوانين الأساسية» المتناقلة عبر السنين حول مسائل أساسية.
ويعاني المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل، من جهةٍ أخرى، من التمييز الممنهج في القانون والسياسة، ويؤكد ذلك عدد من الأمثلة في مجال امتلاك الأراضي والإسكان، والحياة العائلية، وأحكام الهجرة.
وتعمل لجان قبول طلبات السكن في 43 بالمئة من البلدات على تنقية المتقدمين على قاعدة «عدم التوافق مع النسيج الاجتماعي والثقافي».
ويواجه المواطنون الفلسطينيون كذلك التمييز المتعلق بالحياة العائلية، حيث يفرض قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل «قيوداً متشددة على حق المواطنين الإسرائيليين لإصدار تراخيص لزوجاتهم وأولادهم الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة للدخول والإقامة داخل إسرائيل، لأسباب تتعلق بلمّ الشمل العائلي».
ويواجه فلسطينيو الضفة الغربية وقطاع غزة، في ظل الحكم العسكري، سياسات متشددة من التمييز والتفرقة العنصرية، كما من الوحشية العسكرية والقمع.
وينفذ الجيش الإسرائيلي، تطبيقاً لسياسته المزدوجة، غارات ليلية وتوقيفات بحق الفلسطينيين من دون تهمة، ويعذب المعتقلين، ويقمع أي نوع من الاحتجاجات بما فيها غير المسلحة، وذلك بأساليب عنف قاتلة.
وإذا تساءلنا عن الجهة المسؤولة عن التمييز المؤسسي والقوانين العنصرية والحكم العسكري الممارس بحق 4.5 ملايين فلسطيني، فإننا نجد أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 1948 هي السبب.
قد تحتل العنصرية الخالصة الفردية، سواء على متن طائرة يونانية أو في تل أبيب أو في شركة تنظيف، عناوين الأخبار، إلا أن الكيان الإسرائيلي وقادة مؤسساته قد أوجدوا الواقع الاستعماري وفرضوه، ويشكلون بالتالي الجهة التي يتوجب محاكمتها.