بلغت شظايا الصورة الفسيفسائية الشرق الأوسطية من الحدّة والخطورة مستوى غير مسبوق، إلا أن مسؤولين أميركيين وعرباً أكدوا أن تلك القطع المتناثرة أعيد ترتيبها في الأشهر القليلة الماضية، وأنها باتت تنتظم اليوم بطرق مختلفة ومثيرة للدهشة غالباً.

وتطرأ على المشهد بعض الفرص والمخاطر التي لم يتوقعها إلا قلة من المراقبين. ويعتبر الرئيس الأميركي باراك أوباما أشبه بمضارب مفلس يعرج في ساحة الشرق الأوسط، تمريراً للشهور العشرة الأخيرة من ولايته الرئاسية. إلا أن هناك بعض الترجيحات التي تشير إلى إمكانية إقدام وزير الخارجية الأميركي جون كيري على ضبط سرعة الأحداث، وإثبات أن جعبته الدبلوماسية لم تفرغ بعد.

تطورات ترسم المستقبل

وبمعزل عن تطورات الأشهر القليلة المقبلة، فلا شك بأن عام 2016 سيرسم صيغة الخيارات المطروحة أمام الرئيس الأميركي المقبل، وذلك بعد أن حقق أوباما جزءاً من أمنياته بتغيير ميزان القوى الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وحض الآخرين على الاضطلاع بدور عسكري أكبر، بغض النظر عن النتائج، مع التمسك بالدبلوماسية الأميركية.

لكن ما هي قطع الألغاز الجديدة؟ بحسب رؤية المراقبين الدوليين، أولاً هناك سوريا، التي تشكل على الأرجح الإخفاق الأبرز على صعيد السياسة الخارجية لأوباما، علماً أنه برغم جوقة المعارضين الكبيرة، نجح كيري في مخاطبة مختلف الأطراف المتناحرين في سوريا، بدءاً بروسيا وتركيا وإيران ونظام الرئيس السوري بشار الأسد وفصائل المعارضة وغيرهم.

وجمعهم تحت مظلة العمل المشترك على رسم تفاصيل اتفاقية وقف إطلاق النار. ومن شأن هذه الخطوة أن تنجح فقط في ظل وجود مؤشرات إلى التوجه نحو فترة انتقالية سياسية مقبلة، لا يندرج فيها الأسد.

وتشمل القطعة الثانية من الأحجية إيران، التي تبدو مختلفةً عن توقعات الكثيرين للسنوات القليلة الماضية، لا سيما بعد أن أثبت رهان أوباما صحته بإمكانية الضغط على طهران لتوقيع اتفاق نووي مجدٍ من خلال ائتلاف عقوبات عالمي الطابع. كما تبين أن تمنياته بأن يؤدي انفتاح إيران إلى تعزيز القوى البراغماتية قد أتت ثمارها في الانتخابات الإيرانية الأخيرة.

تحديد ميزان القوى

ويشير مسؤولون في الخارجية الأميركية إلى استحالة تحديد نوع ميزان القوى السياسي الذي سيطغى على البرلمان الجديد أو مجلس خبراء القيادة الإيرانية الذي سيختار القائد المقبل. لكن من الواضح أن جبهة المتشددين قد أضعفت، لتظهر جدوى الرهان الاستراتيجي الأكبر لأوباما.

وتبقى تركيا القطعة الحافلة بأكثر التعرجات والنتوءات في أحجية الشرق الأوسط في الوقت الراهن. وقد أدت سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاحتكار السلطة إلى تهشيم التسوية التي كانت يوماً واعدة مع الأكراد. وتدهورت بموازاة ذلك علاقات تركيا مع روسيا وإسرائيل وإيران وأميركا، في ظل خشية المراقبين للوضع التركي من ارتفاع حدة اضطرابات الداخل كذلك.

وتزامن التراجع الأميركي في المنطقة خلال ولاية أوباما مع زيادة تدخل روسيا وإيران و«داعش»، وأدى إلى ظهور عدد من المخاطر. لكن على الرغم من تراجع الهيمنة العسكرية الأميركية، لا يزال دورها الدبلوماسي حاسماً.

يستدعي جمع قطع الأحجية المختلفة مخاطر متعددة، لكنه ينفتح مع ذلك على خيارات كثيرة. ولا يزال واضحاً أن دور الولايات المتحدة على الرغم من تراجعه، يبقى القوة التي لا يستغنى عنها في جلب الاستقرار، سواء كره الكارهون أو أحبوا.

دبلوماسية

تتسم العملية الدبلوماسية في شأن سوريا بالهشاشة، وتتكل على حسن نوايا الروس وسواهم ممن اكتفوا في السابق بالعمل على مصالحهم الخاصة وحسب. إلا أن الدبلوماسية أفضت إلى بعض النتائج، حيث تمكنت بعثات الإغاثة من الوصول إلى 225 ألف سوري محتاج في الأسابيع القليلة الماضية، في حين أن الهدف يبقى تأمين المساعدات لـ1.7 ملايين شخص مع نهاية مارس.

وتشوب عملية وقف إطلاق النار الانتهاكات، نظراً لوجود العديد من فصائل المعارضة التي يزيد عددها عن المئة، والتي قبلت شروط الهدنة في معسكرات مؤيدة لمقاتلين مستبعدين من «داعش» و«النصرة». وقد وصف مسؤولون في وزارة الخارجية هذا الاشتراك في التموضع بالتنويع في ظل توقعات بتبلور الأمور أكثر مع مرور الأسابيع المقبلة.