يبدو النظام السياسي في العراق أقرب إلى مريض في غرفة الإنعاش، وقد اقتحم ألوف المتظاهرين العراقيين، أخيراً، مبنى مجلس النواب داخل المنطقة الخضراء ببغداد.

وتعد الأزمة المتواصلة التحدي الأكثر خطورة، الذي يواجه نظاماً سياسياً، أسسته أميركا منذ 13 عاماً، خاصة أنه يأتي في ظل محن اجتماعية واقتصادية وعسكرية عميقة ومتعددة، لا يمكن للبلد حسمها.

لقد غذى كل من الركود السياسي والاقتصادي حركة الاحتجاج، وعززتها تصريحات المرجع الديني آية الله علي السيستاني في النجف، حيث لقي جدول أعمال الإصلاح الذي قدمه رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، ترحيب السيستاني في بادئ الأمر، غير أن الأخير انتقد، في وقت لاحق، إصلاحات رئيس الوزراء بصفتها «بطيئة للغاية».

وفي شهر فبراير الماضي، التزم السيستاني «الصمت»، وذلك في ما يتعلق بالأزمة السياسية، كما امتنع عن الإدلاء بتعليقات إضافية بشأن الوضع. وقد أسهم الانسحاب المفاجئ للسيستاني في إرسال رسائل مختلطة، فهل كان ذلك وسيلة للبقاء في حالة حياد أم تعبيراً عن استيائه تجاه وتيرة إصلاحات رئيس الوزراء؟

تصعيد مستمر

بعد وقت قصير من انسحاب السيستاني، بزغ رجل الدين مقتدى الصدر كونه فاعلاً رئيساً. وقد جاء تحركه بعد وقت قصير من إعلان السيستاني، ما قدم انطباعاً بأن تدخله كان بالتنسيق مع السيستاني.

وقد هدد مقتدى الصدر بالتصعيد المستمر ضد الحكومة، بما في ذلك مطالبة المتظاهرين بدخول المنطقة الخضراء المحمية جيداً، وهي قلعة حصرية للنخبة السياسية منذ غزو العراق. وتضمنت المطالب تشكيل حكومة تكنوقراط، ووضع حد للنظام السياسي العرقي والطائفي، ودمج «ميليشيات الحشد الشعبي» المتحالفة مع الحكومة العراقية في كل من الجيش والشرطة.

وعمد مقتدى الصدر للتهديد، خلال شهر فبراير الماضي، بأن شعاره الأولي «الإزالة» (كإشارة إلى إزالة السياسيين الفاسدين) تغير ليكون «إزالة واجتثاث» النظام السياسي. كما عمد في 27 مارس الماضي، لإلغاء عملية اقتحام متوقعة للمنطقة الخضراء، معلناً أنه سيدخل المنطقة بنفسه بصفته ممثلاً للشعب. وباقتحام المتظاهرين للمنطقة، أخيراً، استنفد مقتدى الصدر جميع أوراقه، وبالتالي فإن الأمور التي ستحدث بعد ذلك مفتوحة للتكهنات.

رغبة وفرصة

إن التطورات التي حدثت حتى الآن لم يسبق لها مثيل، بالفعل، فحقيقة أنه تتم قيادة الحركة الاحتجاجية والسيطرة عليها من قبل شخصية محددة لا تدعو لكثير من الانزعاج، بما أنه يمكن احتواء الأوضاع.

لذلك فإن الرغبة الشعبية في التغيير يمكن أن تكون بمثابة فرصة. ويبدو أن الإجماع بين العراقيين هو على أنه لا يمكن تجاهل مثل تلك المطالب من أجل التغيير، وأن الحالات السابقة من الوعود الجوفاء لن تسهم في تهدئة المحتجين. وبالتالي تظهر الإصلاحات الحقيقية باعتبارها السبيل الوحيد للمضي قدماً بالنسبة للحكومة.

تكمن المشكلة، على الرغم من ذلك، في أن الزخم الشعبي للتغيير قوي، في حين أن قدرة الحكومة على الإصلاح، بما يتجاوز التغييرات الظاهرية، تعد ضعيفة.

وتعاني البلاد أيضاً مجموعة متنوعة من التحديات، بدءاً بأزمة اقتصادية خانقة، ووصولاً إلى التحديات العسكرية والأمنية المستمرة. لقد تحدث المسؤولون الأميركيون، الذين قابلوا العديد من نظرائهم في الحكومة العراقية أخيراً، عن عراق مختل وظيفياً، وذلك على نحو يبعث على الكآبة.

إن تلقي الدعم الإقليمي والدولي القوي في الأسابيع الأخيرة، في شكل سلسلة طويلة من المكالمات الهاتفية غير المسبوقة، فضلاً عن الزيارة المفاجئة لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن، جميعها عوامل لم تساعد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.

وكان اقتحام مجلس النواب بمثابة نداء صحوة مفاده أن حكومته تواجه مشكلات داخلية خطرة، سيصعب التعامل معها في المستقبل القريب، ناهيك عن تقييد حيدر العبادي باعتبارات الشرعية وتقاسم السلطة، حيث سيكون من الصعب عليه تجاهلها، وذلك في الوقت الذي يسعى لتشكيل حكومة إنقاذ وطنية، وتهدئة أولئك الذين يطالبون بتغيير جذري وسريع.

حكم

تم تعيين حيدر العبادي رئيسا للوزراء في العراق، قبل عشرين شهرا، بهدف عكس الاستقطاب الذي أوجده سلفه نوري المالكي، وللتعامل مع الانهيار الذي أعقب استيلاء «داعش» على الموصل. وقد عمل العبادي لتقديم نفسه على نحو يختلف عن المالكي، إلا أنه أخفق في إحداث تغيير في الطريقة، التي تؤدي بها البلاد مهامها.

ويواجه رئيس الوزراء العراقي اليوم أزمة أكثر تعقيداً ، إذ يجب أن يكون الابتهاج العارم،عقب اقتحام المحتجين لمجلس النواب بمثابة تذكير بأنه لم يعد بالإمكان حكم البلاد من داخل قلعة كانت أميركا قد أسستها في العاصمة بغداد. يريد العراقيون تغييراً حقيقياً لا يمكن للنظام السياسي الحالي تحقيقه.