«الأرستقراطي الشعبي»، هكذا يسمونه، سياسي يدير عمله بعقلية الطبيب، يحدد الداء ومن ثم يحقن الدواء الذي يراه، غير مكترث بردات الفعل، فهو لا يثور ولا يتأثر بها، يُفضّل بلوغ أهدافه بكثير من الهدوء الذي لا يخلو من خشونة إن دعا الأمر لذلك، عربي الهوى اشتراكي المزاج، وفي ذات الوقت عراقي الانتماء وليبرالي التفكير، ربما تبدو للوهلة الأولى متناقضات لا يمكن الجمع بينها ولكنها عند نائب رئيس جمهورية العراق حالياً ورئيس حكومته الأسبق د. إياد هاشم علاوي متسقة تماماً، لا يحاذر السير في المطبات والتجديف عكس الريح.

جاهر علاوي في حواره مع «البيان» بمواقف جعلته أقرب للمعارض من أنه صاحب منصب دستوري رفيع، فهو لا يرى في الحرب الحالية في الموصل نهاية للإرهاب بل يحذّر من صفحة إرهاب أشد خطراً من «داعش» إذا لم تجنح المكونات العراقية إلى مصالحة وطنية عاصمة.

وانتقد علاوي بشدة ابتعاد العراق عن حضانته العربية بل ذهب إلى اتهام جهات داخل السلطة الحاكمة بالعمل على تخريب علاقة بلاده بالعرب، وجدد نائب رئيس الجمهورية العراقي انتقاده للتدخل الإيراني في بلاده، معتبراً ظهور قاسم سليماني في قيادة معارك لمليشيات الحشد الشعبي بالأمر الخاطئ، حيث إنه يغذي النفس الطائفي في البلاد، وطالب بترحيل الجنود الإيرانيين إلى بلادهم.

وإلى نص الحوار:-

كيف يقرأ إياد علاوي سير معركة الموصل؟

طلبت مراراً وتكراراً منذ عامين أن تكون هناك خريطة طريق لتحرير الموصل وما بعد التحرير، وذكرت بوضوح للقادة العراقيين وللتحالف الدولي ان عدم وجود مثل هذه الخريطة سيؤدي الى عواقب وخيمة، وصرحت بذلك مرات عديدة في الإعلام وفي مقدمة اقتراحي بوضع خريطة الطريق هو تشكيل قيادة سياسية تضم ممثلين من أهالي الموصل ومن مختلف الشرائح فضلاً عن الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان والامم المتحدة وبعض السياسيين لكن لشديد الأسف والأسى لم يحصل ذلك حتى الآن.

وضع الموصل حساس جداً والمعركة فيها مختلفة عن معارك الانبار وصلاح الدين وغيرها التي لها خواص غيـر تلك التـي هي خواص الموصل، نعم هناك تقدم في صفحات المعارك العسكرية، لكن من دون تحقيق النصر السياسي لن ننتصر في الحرب على الارهاب ولا نستطيع القضاء على «داعش» نهائياً، النصر السياسي في الحرب يحصل عندما تتغير بنية العملية السياسية ونتخلص من المحاصصة والتهميش والطائفية السياسية والاقصاء والاجتثاث واعتماد المواطنة كأساس والخروج من الإرادة الاجنبية، فهنالك ثلاث مشاكل تواجه الموصل حالياً وهي الصراعات الدولية والتدخلات الإقليمية والخلافات الداخلية.

الخطر القادم

هل تظنون ان التحالف الدولي القائم لتحرير الموصل متماسك بالقدر الكافي لإخراج الارهابيين منها؟

كلا، لا اعتقد ولم يصار الى إعداد خريطة طريق واضحة، وانا اخشى من انتهاء هذه الصفحة من المعارك وما سيأتي بعدها من معارك، وان لم نضع الأمور في نصابها الصحيح وتحقيق وحدة المجتمع، وماذا سيحصل بعد إخراج الإرهابيين والى أين سيذهبون؟ وما هو مصير الخلايا النائمة وسوريا؟ إن لم نضع الأجوبة منذ الآن في خطة متكاملة فسنكون قد فتحنا صفحة جديدة لإرهاب أعتم واخطر من «داعش».

ما هي رؤيتكم للموصل بعد التحرير وحسب معلوماتكم كنائب لرئيس الجمهورية هل هناك خطة حكومية واضحة لإدارتها؟

كلا، يبدو لي انه لا توجد خطة او نحن من الذين غير مؤهلين للاطلاع عليها ان وجدت مثل هذه الخطة، وقد أوضحنا رؤيتنا لكم حول الموصل.

حرب أهلية

كيف تنظرون إلى تحكم المليشيات ورجال الدين في العراق؟

انا مؤمن بالدولة ومؤسساتها وأحترم الدين لكن اقحام الدين في السياسة يضر بالدين والدولة، ويجب ان لا تلوث السياسة مراجع الاديان الكرام فهم لمهمة الارشاد والدفاع عن قيم المجتمع، يجب ان يكونوا بعيدين وارفع من السياسة وانا ضد تسيس الدين والمذهب.

تعدد المؤسسات العسكرية وانتشار السلاح في ايدي العشائر والطوائف ألا تظن انه يؤدي في النهاية الى اقتتال أهلي؟

هذا ما يحصل الآن للأسف.

لماذا لم يشكل اياد علاوي مليشيات عسكرية في ظل بلد لكل سياسي فيها جيشه؟

أنا طبيب وسياسي ولست رجل مليشيات، انا ضد هذا الأمر قلباً وقالباً، ولا أقبل بديلاً عن مؤسسات الدولة الناجزة والمهنية خاصة ركنيها الأساسيين وهما القوات المسلحة بكل اشكالها والقضاء المستقل، وانا سأكون جندياً في أي حرب دفاعاً عن العراق والأمة العربية.

طريق مسدود

هل وصلت العملية السياسية في العراق إلى طريق مسدود؟

باعتقادي هي على وشك الوصول الى طريق مسدود، والموصل ستكون حاسمة، لكنني على ثقة من أن شعبنا البطل لن يسمح بذلك فهذه هي الجموع المليونية تهتف «لا للطائفية لا للمحاصصة نعم للدولة المدنية نعم لمحاسبة المفسدين»، وحتى مراجع الاديان والمذاهب الكرام اخذوا ينادون بهذه الافكار.

ألا تظن أن بعد العراق من حاضنته العربية أضر به كثيراً؟

أرى ذلك جداً وليس من باب الظن، ومعلوم لدى كل دولنا العربية وشعبنا العراقي الكريم بأن موقفي كان ولايزال هو اعادة العراق الى هذه الحاضنة عندما كنت رئيساً للوزراء ولا ازال أرفض مبادئ وسياسات الخروج عن هذه الحاضنة أو العمق الإسلامي للعراق.

كيف تنظر الى هذه العلاقة؟

هناك بعض الاوساط في السلطة الحاكمة تختلف مع بعض الدول العربية ولا تؤمن بعلاقات تقارب مع العرب وبالرغم من مواقف بعض الاشقاء العرب بدعم المعارضة العراقية حينها والبعض من المعارضين يحكم العراق منذ اواخر عام 2005 والى اليوم.

ولكن انا ارى انه من الضروري ان يبقى العراق في حاضنته العربية ويعمل على التقارب العربي والإسلامي ونأمل ان يستغل العراق هذا الموقع المتميز وان يكون جسراً رابطاً بين هذين العمقين، لكن للأسف علاقات العراق بمحيطه العربي سلبية ومحبطة وكان يفترض ان يطور العراق علاقاته العربية من جهة والإسلامية من جهة أخرى، ناهيكم عن تطويرها مع كل دول العالم، وان يساهم العراق كذلك بتفكيك مشاكل التدخل في شؤون المنطقة من الجوار.

نفس طائفي

انتقدت في أكثر من مقابلة لك التغلغل الايراني في العراق كيف تنظر الى التقارير التي تتحدث عن قيادة قاسم سليماني لعدد من معارك الحشد الشعبي؟

ظهور قاسم سليماني في عدد من المعارك أمر خاطئ ويثير نفساً طائفياً لدى الكثير وتشكيكاً بقدرات العراقيين، فهو ليس بشخص عادي وإنما هو مسؤول في ايران وغير واضح لي هل إيران جزء من التحالف الدولي وهل ترتبط باتفاقية رسمية مع العراق موافق عليها من قبل مجلس النواب العراقي ليقوم وفقاً لذلك بعض قادتها بزيارات الى العراق.

نحن نشكر ايران على اي تسليح للعراق او ايصال معلومات استخبارية ضد الإرهابيين، والعراق لا ينقصه الرجال والقادة العسكريون والاولى للعراق ان يعاد هؤلاء الأبطال الى الجيش والقوات المسلحة الأخرى ويطلق سراح سلطان هاشم وزير الدفاع العراقي الأسبق في زمن صدام من السجن وبذلك تكون المعركة عراقية وطنية ضد قوى الإرهاب.

نعم انا سبق وأن انتقدت ولا ازال انتقد التدخل الايراني في العراق واي تدخل من أي جهة خارجية في الشأن الداخلي للعراق وهذا لا يعني ان لدي عداء مع ايران، على العكس انا مع بناء علاقات جيدة مع ايران وتركيا وتبادل المنافع المشتركة واحترام السيادة ورفض اي تدخل في شأن العراق الداخلي وبالمقابل لا نسمح بأن يتدخل العراق في شؤون الدول الاخرى، وان لا تكون ارض العراق منطلقاً لشن اعتداءات على دول الجوار أو غيرها.

كما نثمن جهود كل من يقف مع العراق ويدعمه في حربه ضد الارهاب، وبمناسبة سؤالكم فلقد قلت لرئيس جمهورية تركيا السابق عبدالله غول الذي التقيته صدفة في مؤتمر الامن الاقليمي في عمان ان لا داعي لوجود جيش تركي على ارض العراق من دون اتفاقية رسمية موافق عليها من قبل مجلس النواب العراقي، ومن المهم ان لا يبدو العراق ضعيفاً امام الآخرين من ارهابيين واعداء، وطرحت عليه افكارا لمبادرة استحسنها وقد ابلغت الحكومة العراقية بذلك.

لم نسمع لك رأياً ولم تطرح رؤية واضحة بشأن عمليات القتل والتهجير القسري التي تتم في العراق على ايدي مليشيات الحشد الشعبي؟

الحشد الشعبي نوعان حشد مقاتل ملتزم وهذا الجزء يشكل السند الظهير للقوات الامنية في الحرب ضد الارهاب وفيه قادة لهم تاريخ من النضال منذ ايام المعارضة، والنوع الآخر منفلت وهم من ركبوا الموجة مؤخراً لذلك انا ادعو دائماً لان يكون الحشد جزءاً من القوات الامنية ليس بأكمله بل من هو مقتدر وراغب ومؤهل ويكون السلاح محصوراً بيد الدولة، لربما اكون انا شخصياً الوحيد الذي طرح ولايزال بقوة وبشجاعة موضوع التهجير القسري والتطهير المذهبي والديموغرافي، فالعراقيون على دراية بموقفي تماماً لكن سؤالكم للأسف ان بعض المؤسسات الاعلامية العربية قد قررت مقاطعة الخط الوطني في العراق وتبنت الخط الطائفي بشقيه الشيعي والسني.

عروض للرئاسة

هل وصلت إلى قناعة بأن وصولك لكرسي رئاسة الحكومة مجدداً لن يتم إلا بخاتم إيراني؟

هذا أمر مرفوض بالنسبة لي قطعاً، ولو قبلت ذلك الموقع بأي خاتم ايراني أو أميركي أو أجنـبي غيـر عراقي (يمكنكم مراجعة بعض مذكرات الاميركيين عن هذا الأمر) لكنت قد بقيت رئيساً للوزراء، ولكن هذا ليس انا، لقد تم عرض هذا الامر مراراً وتكراراً وبمغريات لكنني رجل وطني عراقي وعروبي ادعو الى قضية وليس للحصول على مراكز، وانا لم ازر ايران كغيـري وانما على استعداد لزيارتها مع وفد متى ما هم (اخواننا في ايران) لديهم جاهزية لحل المشاكل مع العراق ودول المنطقة العربية.

اذا عدتم إلى 2010 بعد ان فزت في الانتخابات النيابية تصدت لي ايران بقوة ووقف معها الأميركان وكان الشرط ان اذهب الى ايران لكي اكون رئيساً للوزراء لكنني رفضت ويشهد على ذلك بعض القادة العرب واستطيع تسميتهم وقادة مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولم يكن لنا اي سند دولي او عربي الا شعب العراق الذي فتكت به الطائفية السياسية والمحاصصة والتهميش والاقصاء، مع هذا بقي ولله الحمد صوتنا قوياً متحدياً، وما ذكرته في سياق سؤالكم حول الموصل بيان على قدرتنا ومن معنا من الانصار والمناضلين الوطنيين على التأثير في مجرى بعض الاحداث.

عدد من المسؤولين الأكراد اعلنوا انهم سينظمون استفتاء لانفصال الاقليم فور الفراغ من معركة الموصل هل نحن موعودون بتقسيم العراق؟

هذا رد فعل بسبب التوترات السياسية والاحتقان، واخبرني الأخ مسعود بارازاني قبل مدة وجيزة انه عازف عن هذا الأمر.

انت كثير الانتقاد للأوضاع في العراق قليل الفعل كيف ترد ؟

من حقي انتقاد الاخطاء في عموم بلادنا العربية وما هو ابعد منها من دول لسنوات عديدة لم اكن جزءاً من الحكومة وعندما قبلت العمل بمنصب نائب رئيس الجمهورية في بادئ الأمر كان على اساس تسلمي ملف المصالحة الوطنية من جملة مسؤولياتي الاخرى ولم ينفذ هذا الامر، واستئنافي الآن لعملي في هذا الموقع هو بسبب المساهمة في ايصال العراق الى شواطئ البر والامان، ان تم الاتفاق مع ما يجب أن يحصل وفق الطروحات المتعلقة باستئنافي لمهام نائب الرئيس، وحتى ونحن بعيدون عن السلطة لم نبق مكتوفي الايدي بل عملنا بكل امكاناتنا من اجل خدمة العراق وشعبه ومنطقتنا العربية، فأنا انتقد السياسات الخاطئة واقترح حلولاً لبعضها.

هل وصلت إلى مرحلة اليأس من الوضع العراقي أم ما زلت متفائلاً؟

كلا، وسأعمل الى اخر قطرة في دمي من اجل عراق موحد في ظل دولة مدنية، هي دولة المواطنة التي تقوم على العدل والمساواة وسيادة القانون، ولن افقد الأمل طالما اني حي، وهذه هي رسالتي كما كانت رسالة آبائي وأجدادي.

نائب الرئيس العراقي: أعمل بكل جهدي لتحقيق المصالحة الوطنية

قال نائب رئيس جمهورية العراق إياد علاوي إن استئنافه لعمله كنائب في مؤسسة الرئاسة تم بحسب قرار المحكمة الاتحادية التي رفضت طلب رئيس الوزراء بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية، كون الطلب غير قانوني ولا دستوري، واضاف ان «استئنافي العمل في هذا الموقع مرتبط بمجموعة قوانين واجراءات اساسية في مقدمتها تنفيذ المصالحة الوطنية الحقيقية بشقيها السياسي والمجتمعي والخروج من نظام المحاصصة والطائفية السياسية وعلى ان تكون رئاسة الجمهورية مسؤولة عن ملفها»، وكذلك سن قانون يفسر المادة (66) من الدستور حول دور رئاسة الجمهورية في السلطة التنفيذية وأيضاً قضايا أساسية أخرى.

فإن لم يحصل ذلك لا يمكن لي ان استأنف عملي في الرئاسة او ضمن اي مؤسسة داخل العملية السياسية ان بقيت هذه العملية على شكلها الحالي، ومضى قائلاً «انـني دعوت وبرسالة تحريرية وجهتها الى قادة القوى السياسية بمن فيهم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب وآخرون من القادة للموافقة على تأجيل انتخابات مجالس المحافظات لتتزامن مع انتخاب مجلس النواب خوفاً أن لا يكون لأهالي الموصل او الأنبار او ديالى وكركوك او صلاح الدين وحزام بغداد ممثلون منتخبون في تلك المجالس، أو قد يكلف أشخاص ليسوا من خيارات اهالي هذه المدن بعضوية مجالس المحافظات ( كان يفترض ان تجري انتخابات مجالس المحافظات قبل منتصف عام 2017) وبهذا يتعمق الانقسام مجتمعيا».

كما طلبت في نفس الرسالة استبدال المفوضية العليا للانتخابات وسن قانون جديد لها وكذلك قانون جديد للانتخابات النيابية من شأنه تحقيق شفافية ونزاهة لا تتجاوز 65 في المئة في الانتخابات القادمة، وقد اجابني معظم القادة بالإيجاب باستثناء واحد فقط الذي لم استلم منه جواباً حتى الآن.

كما ارسلت رسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مخبراً اياه ان قرار التأجيل ان تم فهو قرار سيادي عراقي، وعلى الأمم المتحدة تقديم الدعم الفنـي والإشراف فقط، ولله الحمد تم اتخاذ القرار القاضي بإجراء كل الانتخابات لمجالس المحافظات والمجلس النيابي في يوم واحد مطلع عام 2018 ودعمت هذا القرار الأمم المتحدة وهذا انجاز وطني كبير افتخر به، ويبحث الآن في مجلس النواب الموقر قانوناً جديداً للمفوضية واستبدالها وقانوناً آخر للانتخابات.

تحقيق

 

طالب إياد علاوي،بإجراء تحقيق جنائي لتتبع مصير الأموال التي دخلت إلى البلاد منذ الغزو الأمريكي والإطاحة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003 وحتى الآن، بهدف وضع حد لما أسماه "الفساد المستشري" في المؤسسات الحكومية.ويعد العراق من بين أكثر دول العالم فساداً، بموجب مؤشر منظمة الشفافية الدولية على مدى السنوات الماضية، وترد تقارير دولية على الدوام بهدر واختلاس اموال.