زادت مخاوف المسلمين بفرنسا من تزايد الأعمال المعادية ضدهم بعد أيام قليلة من الهجمات الإرهابية التي عرفتها العاصمة الفرنسية وكانت الأعنف في تاريخها، رغم الرسالة الواضحة التي تمسكت بها السلطات الفرنسية، مباشرة بعد هذه الهجمات، بضرورة التفرقة بين الإسلام والتطرف، وبغض النظر عن مسارعة قادة الجالية المسلمة في إدانة العمل الإرهابي والتنديد بالمذبحة التي راح ضحيتها فرنسيون وأجانب، بعضهم كانوا مسلمين وعربا.
إلا أن أعمال العنف الجسدية والمعنوية والكتابات العنصرية والشتم والتهديد على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الأماكن العامة وإطلاق النار الحي، بدأت تستهدف المسلمين ومراكز العبادة أكثر فأكثر، خاصة في المناطق والمدن التي يحكمها وينتشر فيها اليمين المتطرف، حيث اعتدي الخميس بالسلاح الأبيض على امرأة محجبة في مدينة مرسيليا (جنوب فرنسا) اتهمها المعتدي عند خروجها من نفق الميترو بأنها «إرهابية ويجب عليها أن تدفع ثمن مقتل الفرنسيين».
اعتداء أكثر عنفا تعرض له الأربعاء الشاب جاسم (17 عاما) انتشرت صورته كثيرا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تم سحله بطريقة وحشية من قبل مجموعة من أنصار اليمين المتطرف الذين كانوا يصرخون «الإسلام خارج فرنسا» وهذا في عز النهار وسط مدينة ليون، في حادثة أصيب في نتيجتها بجروح بالغة الخطورة.
«الإسلام خارج فرنسا»
مدينة ليل وضواحيها، شمال فرنسا، حيث تعيش جالية مسلمة كبيرة، غالبيتها تنحدر من شمال أفريقيا (الجزائر والمغرب)، وبحكم قربها جغرافيا من بلجيكا حيث جاء معظم الانتحاريين ومنفذي الهجمات، كانت هي الأخرى عرضة لأعمال عنف وكتابات عنصرية، حيث اعتدى أنصار من اليمين المتطرف السبت على فرنسيين مسلمين تجمعوا بالمئات في ساحة الجمهورية للتنديد بهجمات باريس، حاملين لافتات كتب عليها «اطردوا الإسلاميين»، «الإسلام خارج فرنسا».
كما تعرض مواطن تركي في محل لبيع الكباب في مدينة كومبراي (شمال) إلى إطلاق نار حي من طرف شخص كان يحمل على سيارته علم فرنسا انتحر بعدها، وأشارت التحقيقات الأولية للشرطة إلى أن السبب كان ملامح الرجل المشرقية أو العربية.
ثاني ضحايا الهجمات
مسجد الصحابة في مدينة كرتاي بضواحي باريس، واحد من أماكن العبادة التي تعرضت لأعمال مناهضة للمسلمين بعد اعتداءات باريس، حيث تعرض ليل السبت إلى الأحد إلى أعمال تخريب وكتابات عنصرية بلون الدم الأحمر، اعتبرها رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية لمدينة كريتاي، كريم بن عيسى، بأنها نتيجة الخلط بين الإسلام والإرهاب.
حيث قال لوسائل إعلام فرنسية «المسلمون الذين يرتادون هذا المسجد مصدومون من الهجمات التي راح ضحيتها العديد من الأشخاص في باريس وسان دوني. ولكن للأسف يعتبرون أنفسهم ثاني هؤلاء الضحايا، بسبب تحميلهم من قبل البعض لفاتورة هذه الهجمات والخلط بينهم وبين الإرهابيين الذين نفذوها».
دعوة إلى الوحدة
وسارع قادة الجالية المسلمة مباشرة بعد الاعتداءات إلى إدانة العمل الإرهابي والتنديد بالمذبحة، مذكرين بأن المسلمين هم أول ضحايا الإرهاب والتطرف، سواء في فرنسا أو في بلدانهم الأصلية نفسها.
رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، عبد الله كبيبش، وهو رئيس أعلى هيئة تمثل المسلمين بفرنسا، ندد مباشرة عقب الاعتداءات بـ«وحشية من يقتلون باسم الإسلام والمسلمين، رغم أنهم لا يمتون له بصلة»، مؤكدا على عمل المجلس مع السلطات الفرنسية لمحاربة كل بذور التطرف والإرهاب في المجتمع الفرنسي، وبالخصوص في الضواحي الفرنسية الفقيرة التي يستغل البعض ظروف شبابها للإيقاع بهم في فخ التطرف والإرهاب بسهولة.
من جهته، اعتبر عبد الله زكري، رئيس المرصد الفرنسي لمناهضة العداء للإسلام في تصريح للبيان بأنه «يجب على السلطات الفرنسية والفرنسيين أن يفهموا بأن مسلمي فرنسا لا علاقة لهم بهجمات باريس وليسوا المسؤولين عنها»..
مضيفا «99 في المئة من مسلمي فرنسا يحترمون قوانين ومبادئ الجمهورية التي يعيشون في كنفها. لذلك يجب توخي الحذر كثيرا، وعدم الخلط بين المسلمين وهؤلاء الإرهابيين الذين نفذوا الهجمات، لا يجب التفرقة بين أفراد المجتمع الفرنسي بسبب ديانتهم».
وأكد زكري بأن الأعمال المعادية للمسلمين بفرنسا عرفت ارتفاعا كبيرا في 2015، لم تبلغه أبدا. وهذا مباشرة بعد هجمات باريس حيث سجلت لأول مرة اعتداءات بالقنابل اليدوية وإطلاق رصاص على مساجد وأماكن عبادة ومحلات مسلمين..
كما زادت التهديدات المباشرة والعنف الجسدي الممارس ضد أفراد هذه الجالية، حيث أحصى المرصد خلال التسعة أشهر الأولى من العام 330 عملا معاديا مقارنة بـ110 أعمال في نفس الفترة من العام الماضي، مسجلة ارتفاعا بنسبة 200 في المئة.
«نحن مسلمون وهم إرهابيون»
مسجد باريس الكبير الذي يرمز لأكثر من قرن ونصف من الإسلام في فرنسا، دعا المسلمين إلى تجمع عقب صلاة الجمعة للصلاة على أرواح الضحايا الذين سقطوا برصاص التطرف والهمجية، وكان واحدا من مساجد فرنسا الـ2500 التي قدمت خطبة خاصة موحدة، «لنبذ كل شكل من أشكال العنف والإرهاب»، قال عمدته دليل بوباكير: «نحن مسلمو فرنسا، نؤكد ونتمسك بالوحدة الوطنية، لنرفض معا هذا العنف الذي يستهدفنا»، مضيفا «نحن جميعا ضحايا هذه الوحشية والبربرية.. لذلك لا يجب الخلط بيننا نحن، مسلمي فرنسا وأولئك الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم مسلمين، ولكن في الحقيقة هم همجيون إرهابيون».