اندلعت مواجهات السبت بين مئات "المخرّبين" وقوات الأمن الفرنسية في قلب باريس، التي شهدت إحراق سيارات وتكسير واجهات زجاجية وإقامة متاريس، وذلك على هامش تظاهرة جديدة لحركة "السترات الصفراء" التي تحتج على زيادة الضرائب وتراجع القدرة الشرائية.
وشهدت أحياء باريسية عدة أعمال عنف سُجل بعضها في محيط نصب قوس النصر في جادة الشانزيليزيه.
وقرابة الساعة الثالثة بعد الظهر بلغت حصيلة المواجهات 65 جريحا بينهم 11 رجل أمن، ومساء بلغ عدد الموقوفين 158 شخصا.
وأعرب رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب عن "صدمته" لما شهدته باريس من أعمال عنف.
وشهدت العاصمة الفرنسية مساء تجمعات عند قوس النصر وشارع ريفولي وحديقة "تويلري" التي تعرّضت للتخريب على أيدي أشخاص لا يرتدون السترات الصفراء.
ومع أولى ساعات المساء شهدت مناطق من العاصمة الفرنسية حرائق وتصاعد دخان وإقامة متاريس وأجواء تمرّد.
في غرب باريس، وليس بعيدا من مقر السلطة الفرنسية، تشبّع الهواء بالغاز المسيل للدموع، كما أحرقت سيارات وممتلكات عامة وسط كر وفر بين محتجي السترات الصفراء و"المخربين" وقوات الأمن في مناطق باريسية تشهد إقبالا للسياح والمتسوقين في موسم الأعياد.
وكتب أحدهم على قوس النصر "السترات الصفراء ستنتصر" وكتب آخر على دار الأوبرا "ماكرون = لويس السادس عشر"، آخر ملوك فرنسا قبل الثورة.
وقرابة الساعة الرابعة بعد الظهر خيّمت سحابة من الدخان الأسود الكثيف فوق ساحة دار الأوبرا في باريس وتم إحراق رافعة أمام مقهى "السلام" الفاخر وهتف متظاهرون "إنهضي يا باريس".
وقطعت كل المداخل إلى المقهى بالمتاريس. وصاح أحد العاملين "المكان مغلق" قبل أن يسمح على مضض لامرأة وابنتها الباكية بالدخول.
وفي جادة الشانزيليزيه، حيث انتشرت قوات الأمن بكثافة، أبدى متظاهرون سلميّون خشيتهم من أن تطغى المواجهات على تحرّكهم.
وقال دان لودي وهو متقاعد يبلغ 68 عاما "نحن تحرك سلمي، نحن فقط غير منظّمين"، مضيفا "هناك دائما حمقى يأتون للشغب لكنهم لا يجسّدون" التحرّك الذي يحظى بتأييد واسع لدى غالبية الفرنسيين، بحسب الاستطلاعات.
وقالت المتظاهرة شانتال، وهي متقاعدة تبلغ 61 عاما متفادية الاقتراب من موقع المواجهات: "قالوا لنا إن هناك مشاغبين أمامنا". واعتبرت أن على ماكرون "النزول من برجه لكي يفهم أن المشكلة ليست الضريبة بل القدرة الشرائية. أنا مضطرة للاستعانة بمدّخراتي طوال الشهر".
تظاهرراتأكثر هدوءا خارج باريس
وأعلنت وزارة الداخلية الفرنسية في بيان أنها أحصت قرابة الثانية من بعد الظهر مشاركة نحو 75 ألف شخص في تظاهرات "السترات الصفراء" في مختلف أنحاء فرنسا السبت، أي أقل من التحرّكين السابقين.
وفي بقية أنحاء فرنسا جرت التجمّعات بهدوء.
وفي نانت تجمع نحو خمسين شخصا من محتجي السترات الصفراء لمرتين على مدرج المطار، فيما اندلعت مواجهات وجيزة في ستراسبورغ (شرق).
وسيطر متظاهرون على مركز تسديد رسم المرور في بيرتوس عند الحدود بين فرنسا وإسبانيا.
وقُطعت الطريق السريعة التي تربط بين باريس وليون بالاتجاهين من وإلى ماكون (وسط) بسبب تحرك محتجي السترات الصفراء.
وتواجه إدارة ماكرون موجة من الغضب الشعبي بدأ على أثر زيادة الرسوم على الوقود، لكنها اتسعت لتشمل مطالب تتعلق بارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام.
وتحاول الحكومة بدون جدوى حتى الآن التحدث مع ممثلين لحركة "السترات الصفراء" التي سميت كذلك لارتداء المحتجين سترات مضيئة يتوجّب على كل سائق سيارة ارتداؤها إذا تعرّض لحادث.
وتبدي الغالبية الداعمة للرئاسة قلقا متزايدا إزاء ردود الفعل على الموقف الرئاسي وبدأ البعض يطرح وقف زيادة الضرائب.
أما من جهة المعارضة، سواء اليمينية أو اليسارية، فتراوح المواقف بين داعم ومتوجّس.
وخلال مشاركته في تحرّك احتجاجي في مرسيليا قال زعيم الكتلة البرلمانية لحزب "فرنسا المتمردة" اليساري المتطرّف جان لوك ميلانشون إن "البلد كله يتحرّك"، داعيا ماكرون إلى "الرضوخ" لهذه "الثورة الشعبية والمدنية".
وامتدت الحركة الى بلجيكا المجاورة، حيث استخدمت قوات مكافحة الشغب خراطيم المياه الجمعة لتفريق محتجي "السترات الصفراء" الذين كانوا يرشقون الشرطة بالحجارة وأحرقوا مركبتين للشرطة في وسط العاصمة بروكسل.
وفي هولندا تظاهر نحو 120 من محتجي السترات الصفراء سلميا أمام مقر البرلمان في لاهاي.