اختراق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لليبيا كان سابقاً لما سمي بثورات الربيع العربي في العام 2011، وإسلاميو تركيا عموما ارتبطوا بعلاقة جيدة بنظام العقيد معمر القذافي، الذي كان لا يخفي آنذاك موقفه الرافض لدور أنقرة في الحلف الأطلسي وعلاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل وكذلك قمعها الأكراد، ولذلك سعى من خلال جمعية الدعوة الإسلامية إلى تقديم العون إلى التيارات الإسلاموية في تركيا عساها تصل إلى الحكم وتغير سياسات بلادها، كما كان من داعمي نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه ورئيس وزراء تركيا من الفترة بين 1996 و1997 والذي زار ليبيا في أوج أزمة لوكربي في أكتوبر 1996 وتم استقبال رجب طيب أردوغان وهو عمدة لإسطنبول خلال التسعينيات في مكاتب أجهزة المخابرات الليبية حين كان على رأسها موسى كوسا، الرجل الغامض الذي يقيم حاليا في قطر. وما إن وصل أردوغان إلى رئاسة الحكومة في 2003 حتى فتح أمامه القذافي أبواب ليبيا على مصارعها.

تعهدات

كان حجم التعهدات التركية في ليبيا كبيراً جداً، إذ بلغ بين عامي 1970 و1979 ما نسبته 71 في المئة من حجم تعهدات رجال الأعمال الأتراك خارج تركيا، وبين 1980 و1989 بلغت النسبة 60 في المئة قبل أن تتراجع بعد غزو العراق الكويت وتبلغ بين 1990 و1996 ما لا يتجاوز 11 في المئة فقط، وما إن وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم حتى شهدت العلاقات الاقتصادية نقلة غير مسبوقة، تزامنت مع إطلاق مشاريع ليبيا الغد التي كان يتزعمها سيف الإسلام القذافي، حتى إن شركات البناء التركية العاملة في ليبيا كانت تملك استثمارات بقيمة 15 مليار دولار، حسبما تشير البيانات الاقتصادية في أنقرة.

وفي نوفمبر 2009 زار أردوغان ليبيا مصحوباً بعدد من الوزراء و150 رجل أعمال لبحث سبل التعاون في مجالات الإعمار والتجارة والصناعة والنفط والغاز والسياحة والفندقة وغيرها، وبعد أن نفذت في الفترة ما بين 2002 و2008 مشاريع إنشائية في ليبيا بقيمة 8 مليارات دولارات باتت الشركات التركية تطمح إلى أن تحظى بالمرتبة الأولى بعد إعلان القذافي في سبتمبر 2009 عن إطلاق خطة استثمارية خمسية مقدارها 160 مليار دولار.

 وبلغ حجم الصادرات التركية إلى ليبيا في العام 2010 ملياري دولار، بينما كان حجم الاستثمارات، مرشّحاً قبيل اندلاع أحداث 2011 للتزايد بسرعة، حيث كانت تركيا تخطط لاستثمار 35 مليار يورو في البنى التحتية الليبية خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2011.

ولم يقتصر الاستثمار التركي على العمل في البنى التحتية وبعض المجالات النفطية، بل تعداه إلى تسلم موظفين أتراك لأسواق ليبية ضخمة. عبّر عن ذلك أحد المستثمرين الأتراك بقوله: «أتينا إلى ليبيا أولاً مقاولين. الآن، نحاول إحضار تجار تجزئة أتراك إلى البلد للعمل في المراكز التجارية الكبرى في المدن الليبية».

وعلى الصعيد السياسي، ارتبطت تركيا مع القذافي بعلاقات يمكن وصفها بالتاريخية، ومن محطاتها المهمة وقوف العقيد الراحل إلى جانب تركيا أثناء التّدخّل العسكري في قبرص عام 1974، وتعزيز العلاقات الليبية التركية بشكل كبير في عهد حزب العدالة والتنمية الإخواني، مع دعوة ليبيا لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان كضيف مشارك في القمّة العربية في سرت 2010، وقد عمل العقيد القذافي على استثمار رمزية وجود أردوغان للدعاية لسياسته ثلاثية الأبعاد (العربي، الأفريقي، الإسلامي). ولم يتوقف الاختراق التركي عند ذلك الحد، ففي 25 نوفمبر 2010 أعلنت اللجنة الشعبية الدولية لجائزة القذافي لحقوق الإنسان، عن منحها جائزة القذافي لحقوق الإنسان للعام 2010 التي تبلغ قيمتها مليون دولار أمريكي، لرئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان الذي تسلمها خلال حفل أقيم في طرابلس يوم 29 نوفمبر من العام ذاته.