«التصريحات والإجراءات الأخيرة تجعلنا نعيش في حالة ذعر، خشية تطبيقها على السوريين في مختلف الولايات، بخاصة ما يتعلق بإذن العمل، صرنا نخشى الترحيل إلى مناطق درع الفرات في أي وقت، معظمنا ليس معه إقامة، كثير منا دخلوا تركيا بطريقة غير شرعية».. هكذاعبر اللاجئ السوري في تركيا (ع.م) عن مخاوفه من السياسات التركيّة في ملف اللاجئين وتصاعد الموجة بشكل وصفه بـ «العنيف» ضد الوجود السوري في تركيا، ما يجعل اللاجئين غير آمنين على وضعهم الحالي ويترقبّون «كوارث جديدة» في أي وقت قد تحل بهم وبأشغالهم، على حد قوله.

تصعيد عنيف يواجهه اللاجئون السوريون في تركيا، لاسيما خلال الفترة الأخيرة، وفي ضوء التغيّرات السياسية التي تشهدها أنقرة، والتي عززت من توظيف ملف اللاجئين كورقة مساومة سياسية، سواء على الصعيد الداخلي أو فيما يرتبط بالسياسات التركيّة الخارجية، وهو ما عبّرت عنه القرارات والتصريحات التركيّة الرسمية خلال الفترة الأخيرة، والتي عززت مخاوف السوريين المتواجدين في اسطنبول بشكل خاص، وفي باقي الولايات التركيّة عموماً.

أما على صعيد التوظيف الداخلي لملف اللاجئين السوريين، فلا يخفى أن ذلك الملف مثّل سجالاً مجتمعياً متواصلاً، عزز ذلك الوضع الاقتصادي التركي وتدني المؤشرات الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة، ما خلق حالة من الكراهية لدى بعض الأتراك للوجود السوري في بلادهم، وتم توظيف ذلك سياسياً (وإن اختلفت الأدوات) من قبل حزب العدالة والتنمية والأحزاب المعارضة على حد سواء باختلاف التقديرات والآليات.

وعلى الصعيد الخارجي، فملف اللاجئين السوريين كان ولازال وسيلة مساومة وضغط تركيّة على الغرب، ولربما ذلك ما كان دافعاً لاستثمارها من خلال التلويح بملف اللاجئين في خطٍ متوازٍ مع الأزمة التي تشهدها العلاقات التركية الأمريكية على وقع بدء استلام تركيا منظومة (إس-400) الروسية، ومع شروع واشنطن في فرض عقوبات على أنقرة، وكذا في خط متوازٍ مع أزمة تركيا مع الاتحاد الأوروبي على خلفية أنشطة التنقيب عن الغاز شرق المتوسط، وتوقيع عقوبات على تركيا.

«ورقة اللاجئين ربما لم تعد مُجدية بالنسبة لتركيا، لكنها لا تزال قابلة للاستثمار»، هذا ما أكده خبراء في الشأن التركي، على وقع تصاعد حدة الأزمة الراهنة التي يعيشها اللاجئون السوريون في تركيا والتهديدات المُتتالية، والتي جاءت واضحة لدى حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان –في 11 يوليو الجاري خلال اجتماع هيئة القرار المركزي بحزب العدالة والتنمية- والتي أعلن فيها عن ثلاثة قرارات تتخذها حكومته مرتبطة باللاجئين السوريين، وهي: (تشجيع السوريين على العودة، وترحيل المتورطين في ارتكاب جرائم، واقتطاع الضرائب في المستشفيات).

وليست ببعيدة عن ذلك السياق أيضاً تصريحات وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، الذي أعلن عن وقف تسجيل اللاجئين السوريين في اسطنبول نهائياً، فضلاً عن الإعلان عن «إجراءات فورية ضد المهاجرين غير الشرعيين في اسطنبول». وقد أعلن عن تنظيم ملف الهجرة بتطبيق القوانين كاملة على السوريين، وفرض تراخيص العمل عليهم والتي تشترط حمل الأوراق الثبوتية بالنسبة للعاملين وعدم مخالفتهم نظام الإقامة والحماية. وهو ما يتماشى كذلك مع تصريحات عمدة اسطنبول الجديد أكرم إمام أوغلو، الذي انتقد كثافة السوريين في الولاية، وسط مخاوف بالأوساط السورية بباقي الولايات من تطبيق تلك المعايير في كل الولايات التركيّة.

ملف معقد

ملف اللاجئين أصبح شديد التعقيد بالنسبة لتركيا، وصار أزمة كُبرى مرشحة للتفاقم، في ظلِّ مؤشرات دالة على ذلك، منها تنامي شعور الكراهية من مواطنين أتراك ضد اللاجئين، وتحميلهم مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تركيا، إضافة إلى اعتبارهم يشكلون «معضلة أمنية»، بخلاف تحميلهم مسؤولية ارتفاع نسب البطالة بين الأتراك، علاوة على تورط لاجئين في قضايا أمنية.

هذا ما يؤكده الباحث بالشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية كرم سعيد، والذي يشير في تصريحات خاصة لـ «البيان» من العاصمة المصرية، إلى أن «التوجه لإثارة ملف اللاجئين مرتبط بأبعاد أزمة اقتصادية تمر بها تركيا، بعد أن حاول أردوغان استخدام الملف كمساومة لاستيعاب الضغوط الإقليمية أو الضغط على الاتحاد الأوروبي في ملف عضوية تركيا بالاتحاد أو الحصول على أموال إضافية لدعم اللاجئين أو تسهيل منح تأشيرة دخول الاتحاد للمواطنين الأتراك».

الأمر –في تصور سعيد- لا ينفصل عن محاولة تركيا إثارة قضايا جديدة تستطيع من خلالها استيعاب الضغوط الأمريكية والعقوبات التي قد تلاحق أنقرة بعد بدء تسلم منظومة إس 400 الروسية، وكذا يمكن اعتبار إثارة ملف اللاجئين أيضاً «مناورة مع الاتحاد الأوروبي بعد أزمة الأنشطة التركية في التنقيب شرق المتوسط والعقوبات الأوروبية الأخيرة، وبالتالي»تسعى تركيا لفتح باب حوار جديد مع الاتحاد الأوروبي، قد تواجه من خلاله مسألة فرض العقوبات«.

وبخلاف استخدام اللاجئين كورقة مساومة مع الاتحاد الأوروبي، فثمة عوامل داخلية أخرى تعزز إثارة ذلك الملف، فحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا استخدم ملف اللاجئين ضد أكرم إمام أوغلو في مرحلة انتخابات اسطنبول، وكان الحزب يتحدث عن أن المعارضة تتبع سياسات عنصرية ضد اللاجئين، وقد التقطت المعارضة ذلك الخيط وعملت على الترويج أيضاً لآثار اللاجئين على الاقتصاد التركي، وهو ما وجد تعاطفاً من كثير من الأتراك، لاسيما في اسطنبول.

رسائل

الرئيس التركي كان قد تحدث عن إجراءات ثلاثة بشأن اللاجئين السوريين، بداية من تشجيعهم على العودة إلى سوريا، وكذا ترحيل المتورطين في قضايا أمنية، وفرض ضريبة على المشافي، وهي قرارات يصفها الباحث في الشأن التركي بأنها رسالة واضحة وصريحة من أنقرة للسوريين مفادها»اذهبوا، لم يعد مرغوباً بكم.. انتهت مرحلة المتاجرة بورقة اللاجئين.. لم تعد تلك الورقة مجدية الآن إلا في حدود ما أمكن من استثمار«، مشيراً إلى أن تركيا تعتقد بأن استخدامها لملف اللاجئين لم يعد مجدياً لا مع واشنطن ولا مع الاتحاد الأوروبي، ولا حتى في مواجهة النظام السوري بعد أن انضمت تركيا لمحور إيران وروسيا فيما يتعلق بالتسوية السياسية في سوريا، وبالتالي»أصبحت ورقة اللاجئين عبئاً لا استثماراً بالنسبة لتركيا«.

عزز ذلك الوضع أن»الملف السوري أصبح مسألة هامة للتوظيف السياسي، وملف اللاجئين السوريين في تركيا صار يوظف سياسياً ومجتمعياً في تركيا بشكل واضح«، وفق الخبير بالشأن التركي مصطفى زهران، والذي يقول في حديثه مع»البيان«من العاصمة المصرية القاهرة، إن ملف اللاجئين السوريين على مائدة وأجندة الأحزاب السياسية كافة في تركيا، سواء حزب العدالة والتنمية أو الأحزاب المعارضة، ومسألة البعد أو القرب من اللاجئين السوريين أصبحت تعكس حجم الإشكال القائم الذي يمثله الوجود السوري في تركيا.

ويفيد الباحث لدى مركز ستا للدراسات بالقاهرة، بأن»هناك أزمة حقيقية في التعامل السياسي مع اللاجئين السوريين، والتعامل مع المجتمع نفسه مع الملف، هناك تأثيرات خارجية تحاول الدفع نحو تأزيم مسألة الوجود السوري في تركيا، تدعمها أحزاب معارضة، في الوقت نفسه وعلى الجانب السياسي فإن الحكومة التركية لديها قدرة على المجابهة، وتلوح بمسألة اللاجئين أيضاً، على اعتبار أن لديها المقدرة على زعزعة استقرار الخارج (الغرب) أيضاً من خلال ملف اللاجئين«، في إشارة إلى توظيف الملف كورقة مساومة لأوروبا من قبل أنقرة.

ويستطرد:»تحافظ تركيا على ورقة اللاجئين، لكن بما لا يضر مصالحها.. وإذا رأت أن الغرب يحاول توظيف اللاجئين لصالحه وبدعم أحزاب المعارضة، فيمكنها تهديده بالورقة ذاتها، على أساس أن أوروبا تحتاج إلى تركيا في هذا الملف«، مشيراً إلى أنه بشكل عام صارت المسألة السورية مثار نقاش كبير في الداخل التركي، لاسيما بعد نجاح السوريين في الاندماج السريع، وعليه تتناغم الأسباب السياسية والمجتمعية وراء حملات التضييق على اللاجئين.

4 عوامل وراء تضييق أنقرة الخناق على اللاجئين

حدد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور بشير عبد الفتاح، عدداً من العوامل الرئيسية وراء التطورات الأخيرة في تركيا بخصوص اللاجئين السوريين، سواء التصريحات أو القرارات الرسمية التي تُضيق الخناق عليهم.

ويُمكن إيجاز تلك العوامل في أربعة أسباب رئيسية، أولها النظرة أو الموقف المجتمعي من اللاجئين، بوصف اللاجئين على أنهم يشكلون عبئاً على الاقتصاد التركي في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها تركيا.

أما ثاني العوامل، فيرتبط بالظروف والأسباب الأمنية، ذلك أن هناك مخاوف أمنية في تركيا من كثافة الوجود السوري، علاوة على أن بعض السوريين، كما في التصريحات الرسمية الصادرة في تركيا، مُتهمون بارتكاب جرائم أمنية وأخلاقية، وهذا ما تؤيده أصوات بالمعارضة التركية أيضاً والتي تقف ضد الوجود السوري في تركيا.

ثالث العوامل مرتبط بالتجاذبات السياسية الداخلية، ذلك أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مُتهم من قبل المعارضة التركيّة بتجنيس عدد هائل من السوريين في تركيا، بخاصة من المنتمين لجماعات إسلامية بعينها، ليكونوا قوة انتخابية له في الفترات المقبلة، وهو ما حدث من قبل في الانتخابات السابقة، وبالتالي فالمعارضة التركيّة تعتقد بأن وجود السوريين –من هذا المنظور- يشكل عبئاً أمنياً وسياسياً على تركيا عامة.

أما البُعد أو العامل الرابع، فمرتبط بالأساس بمحاولات»الاستثمار السياسي للاجئين«، بداية من محاولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استثمار هذه الورقة (ورقة اللاجئين السوريين) من أجل ابتزاز الأوروبيين، بخاصة أن هناك اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي منذ العام 2016 بخصوص عودة اللاجئين إلى تركيا (يتم إرسال المهاجرين الذين عبروا الحدود صوب اليونان سريعًا إلى تركيا، حيث يحصل المواطنون السوريون هناك على وضع حماية مؤقت)، ويريد أردوغان المساومة من أجل هذا الاتفاق والحصول على أموال إضافية لهذا الاتفاق الذي قدر بستة مليارات يورو،»ويريد الرئيس التركي من خلال تلك المساومة أن يُشعر الاتحاد الأوروبي بأن هنالك أزمة«.

ووفقاً لعبد الفتاح، فإن تركيا تحاول أيضاً من خلال ملف اللاجئين في الوقت الحالي أن تخفف الضغوط المفروضة عليها من قبل الغرب، سواء الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا، وقد قامت أوروبا بالفعل بفرض عقوبات مؤخراً، وبالتالي»تركيا تريد أن تشهر ورقة اللاجئين، في الوقت الذي تعتمد فيه أوروبا على تركيا بشكل كبير للتصدي لتدفق اللاجئين.. تريد تركيا أن تقول لأوروبا: لا تنسوا أننا نستطيع فتح الحدود ونغرقكم باللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين.

وكذلك تحاول تركيا أيضاً من خلال إثارة ملف اللاجئين على ذلك النحو أن توجه نفس الرسالة للولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، في ظلّ تداعيات الأزمة الراهنة بعد بدء تسلم أنقرة منظومة إس 400 الروسية، وما يصاحب ذلك من تداعيات على العلاقات التركية بحلف الناتو، والعلاقات التركية الأمريكية.