من يحاولون التفاوض من الخارج لإنهاء الصراع في سوريا يتصرفون وكأن بعض النخب الدبلوماسية أو مزيج من وسطاء السلطة قد يعيدون الاستقرار للبلاد، شريطة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد وتوافق كل من أميركا وروسيا على الدخول في مفاوضات، إلا أن سوريا تخضع لاجتياح أربع مجموعات كبرى من المقاتلين الذين لا يملكون من الأسباب إلا القليل للتعاون مع أي جهد تفاوضي بقيادة الأمم المتحدة أو فيما بينهم.
ولا تكمن المشكلة في الرئيس السوري بشار الأسد أو تنظيم "داعش" وحسب، فالأخير يسيطر على أجزاء من سوريا والعراق ويعمل منهجياً على تطهير أي منشق ديني أو أيديولوجي. ولم تبدِ حكومتا دمشق وبغداد في هذه الأثناء أي قدرةٍ على كسب الدعم من غالبية السنة في المناطق التي يحتلها "داعش"، كما لم تحقق قوات هاتين الحكومتين انتصارات عسكرية تذكر ضد التنظيم.
وقد تحول "الأكراد" من أقلية محرومة من الحقوق جزئياً إلى تنظيم موازٍ لدويلة قائمة في شمالي البلاد وشرقها، وقد شكلوا النجاح الحقيقي الأوحد لتدريبات الجيش الأميركي ومساعداته. ولا سبب يدفعهم لمساندة الأسد أو مؤيديه. إلا أنهم هم أيضاً منقسمون، تتوزع ولاءاتهم بين أكراد سوريا وأكراد العراق أو الاثنين معاً، فيما بعضهم مستقل. لا يتمتع أكراد سوريا بإمكانية بقاء اقتصادية واضحة كدولة، ويحتاجون للسيطرة على جزء كبير من موارد سوريا من الغاز والنفط شرقاً ليتمكنوا من الاستمرار، كما أنهم يعانون مشكلات مائية متزايدة.
ولا توجد تخمينات موثوقة غير مصنفة حول العدد والقوة والطابع الأيديولوجي للمقاتلين السنة، الذين يخوضون معارك للسيطرة على العديد من المناطق السورية ذات الكثافة السكانية الأكبر. ويقول البعض إن عدد تلك المجموعات يزيد على عشرين ،ويصل إلى ثلاثين.
ويعيش أكثر من أربعة ملايين سوري هارب في مناطق أصبحت مقفرة بفعل معارك الفصائل ضد القوات الموالية للأسد وبراميله المتفجرة وتهديداته بالغاز السام وجهود تجويع أهالي المناطق الواقعة تحت سيطرة المقاتلين. وقد حصدت أعمال القتال أكثر من 250 ألف مدني قتيل و500 ألف مصاب. ويجدر الذكر أن الأمم المتحدة لم تعد قادرة على التوصل إلى تقديرات صحيحة بشأن القتلى منذ أكثر من نصف عام، كما أن تقديرات أعداد اللاجئين والنازحين داخلياً قد توقفت عن الارتفاع بسبب غياب قاعدة التخمينات الصحيحة، أضف إلى ذلك أن العديد من الباقين هم أكثر فقراً من أن يرحلوا.
توجد أيضاً مجموعات المقاتلين المؤيدين للأسد، وهؤلاء منقسمون كذلك. وتقدر وكالة الاستخبارات الأميركية أن غالبية السكان البالغة حوالي 18 مليون نسمة هي من السنة، وغير العلويين.
تكمن الخطوة الأولى لحل المشكلة في تقييمها على نحو يتمتع بالشفافية، بدءاً بإخفاق السياسة الأميركية، والجهود العسكرية، والدعم الروسي والإيراني للأسد، والتدخل الروسي العسكري الرئيسي، كما أن الأساليب المتضاربة لتدخل الدول الأخرى تزيد الأمور سوءاً. في حين يشكل تأثير الحرب الدينية والتطرف، وفشل العلمانية في سوريا مشكلات خطيرة.
لقد حان الوقت للكفّ عن التركيز على كل من "داعش" أو الأسد، والادعاء بأن المقاتلين السوريين "المعتدلين" هم من القوة بما يكفي للتأثير على الوضع الأمني، أو التفاوض من موقع المقاتلين السوريين الحقيقيين، والتصرف على أساس أنه يمكن توحيد أمة متشرذمة عبر التفاوض التنازلي بين مجموعات تكن الكراهية لبعضها، ولا تتمتع بالكفاءة للتعامل مع تحديات سوريا الاقتصادية والاجتماعية وتلك الخاصة بالحوكمة.
توزيع
تظهر خرائط الانقسامات الأثنية والطائفية في سوريا قبل الاقتتال سلسلةً من المواقع المستعصية ضمن الدولة، معظمها يقع على الساحل السوري. ولا يملك العلويون تكتلاً أو "منطقةً" واضحة، كما لا يظهر بوضوح عدد السنة المنخرطين في القوات النظامية السورية، في حين أن الشيعة الحقيقيين والأقليات السورية الأخرى أو رجال الأعمال السنة الأكثر علمانية والمدنيين يؤيدون الأسد أو أي مزيج من العلويين، ومؤيدي الأسد الآخرين لو كان لهم الخيار.