عندما يحذر نائب سابق لقائد عمليات حلف شمالي الأطلسي من أن الغرب على مسار صراع مسلح مع روسيا السنة المقبلة، ويعلن نائب وزير الخارجية الصيني أنه في حال «ألهبت الولايات المتحدة نيران أي صراع من الصراعات» فإن بلاده على استعداد «لإعادة تكرار الحربين الكورية والفيتنامية»، فإن أمراً واحداً ينبغي أن يكون واضحاً: يحتاج العالم إلى بناء نظام أمني جديد بإلحاح.
وعبر القارات، فإن احتمال الصراع والتصعيد يزداد بشكل خطير، انطلاقاً من المستنقع الذي وقعت فيه الجهات المشاركة المتنافسة، والمتضاربة في معظم الأحيان في سوريا والعراق، مروراً بدول البلطيق، ووصولاً إلى البحار في آسيا المحيط الهادي.
والى جانب سيناريو الحرب النووية الذي وضع خطوطه العريضة الجنرال سير ريتشارد شيريف، في حال غزو روسيا لدولة لاتفيا، فإن «الناتو» اقترب بشكل خطير من حافة الهاوية مع روسيا بسبب تركيا، إذ إن هاتين الدولتين تدعمان جانبين مختلفين في الصراع السوري، وقد أسقطت القوات التركية طائرة روسية في نوفمبر الماضي.
ويكمن الخوف في أن الحلف الذي تعتمد مصداقيته على اعتبار أن أي هجوم يتعرض له أحد أعضائه يشكل هجوماً على جميع بلدانه، يمكن أن تضعه تحت الاختبار دولة ما كانت ستدعى للانضمام للحلف تحت قيادة زعيمها الحالي أو في ظل مسارها الحالي في المقام الأول.
وكان يمكن للمرء أن يعتقد أن هذا هو الوقت المناسب للحلف لكي يخطو خطوة إلى الوراء ويفكر بسبب وجوده. وبدلاً من ذلك، فإنه ينطلق بكامل قوته ويدعو مونتنيغرو للانضمام إليه، في خطوة أخرى ستثير غضب روسيا، أخذا في الاعتبار قيادتها التاريخية للدول السلافية.
وفي آسيا، في غضون ذلك، فإن الحلفاء الغربيين منقسمون بعمق في مقاربتهم للصين. فبريطانيا وغيرها من البلدان الأوروبية يرون التجارة القضية الأهم، وقد وقعوا على البنك الأسيوي للاستثمار في البنية التحتية ضد رغبات واشنطن، على سبيل المثال.
قلق شديد
لكن التوتر يزداد بشكل خطير بين الصين والولايات المتحدة بشأن المطالبات في بحر الصين الجنوبي. وتشعر بلدان عدة في المنطقة بالقلق الشديد حيال ذلك، ويتمنى البعض الوقوف دفاعا عن مطالبهم ضد الانتهاكات الصينية، لكنهم قلقون بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة حليفاً يمكن الاعتماد عليه.
لكن القادة الأميركيين كانوا يرسلون إشارات مختلطة في الوقت نفسه. فقد أشادت هيلاري كلينتون باتفاق الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ سابقاً، وقالت: «إنها تربط بلداننا معاً وتزيد الاستقرار وتعزز الأمن»، والآن فإنها تعارض الاتفاق.
وتتغلب المعارضة المحلية بكل وضوح على الحاجة لتعزيز الأمن والاستقرار في المحيط الهادي، وهذا التغيير في الموقف لم يكن من الممكن أن يمر من دون أن يلاحظه حلفاء أميركا في المنطقة.
وتقول مدرسة فكرية أخرى إن التدخل الأميركي في المنطقة، وإصرار الولايات المتحدة على حقها في إرسال سفن بحرية عبر المياه التي تعتبرها الصين ملكها، يشكل جذر المشكلة، إذ يحشر القادة الصينيين بالزاوية، فيضطرون لتصعيد الخطاب والرد، خشية أن يبدوا من دون حس وطني.
فإذا كانت الحرب في أوروبا والصراع البحري في المياه الآسيوية أقرب مما كانا عليه على مدى عقود، فمعنى ذلك أن التدابير الأمنية القائمة لا يمكن أن تعمل بنجاح.
قد يقول المتفائلون إن سلاماً بارداً سيسود، ذلك أن الدول مهما كانت معارضتها المريرة لقضايا النفوذ والأرض، فإنها سوف تمتنع عن خوض الحروب بسبب المصالح التجارية. لكن مثل هذا التعايش هش، ويتطلب المزيد من الجهد لتحقيقه مقارنة بما هو مبذول حالياً، كما أنه لم يمنع روسيا من ضم شبه جزيرة القرم.
لكي يدوم السلام، يحتاج العالم إلى نظام دولي جديد، قائم على قواعد تعكس النظام الجديد الناشئ. وهذا لن يكون لأسباب تتعلق بالسياسة الواقعية فحسب، وإنما أيضاً من أجل الاعتراف بأن القوى الصاعدة والمنبعثة من جديد، الصين وروسيا تحديداً، لديهما مبرراتهمــا في كرههما للبنــاء الدولــي الحالـي، إذا انهمـا مستثنيـان مـن بنائـه.
ومن الواضح انهما لا يحترمان القواعد الحالية، ويشعران بأنهما حران في عدم احترامها، ويحتاجان إلى المساعدة في بناء النظام الأمني الدولي الجديد، ومن ثم الالتزام به، كي لا تصبح المواجهات نبوءات تحقق ذاتها.
خطوة
عندما طرحت خطوة انضمام مونتنيغرو إلى "الناتو" في ديسمبر الماضي، قال رئيس اللجنة الدفاعية في البرلمان الروسي الأدميرال فلاديمير كوموييدوف: «إنهم على استعداد لإدخال الناتو حتى إلى القطب الشمالي فقط في سبيل محاصرة روسيا». لكن حتى تصريح كهذا لم يترك تأثيراً واضحاً: فقد تم التوقيع على البروتوكول الرسمي لانضمام مونتينغرو من قبل وزراء خارجية «ناتو» في بروكسل. وترفض العديد من الدول الأوروبية الأعضاء إنفاق المبلغ المناسب من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.