لقد أثير حول صحة وصية الملك غازي جدل بين دارسي تاريخ العراق السياسي المعاصر, لأسباب عديدة منها: اولاً: ان الملك غازي لم يكن على وفاق مع زوجته الملكة عالية وشقيقها الأمير عبدالإله. ثانياً: لقد ثبت, بما لا يقبل الشك, من التقرير الطبي الذي أعد بعد وقوع الحادثة مباشرة ان الملك غازي ظل فاقد الوعي بعد الضربة مباشرة حتى وفاته, فمتى استعاد الملك وعيه حتى يتسنى له تعيين خلف له؟ وقد ذكرت مديحة السلمان زوجة العقيد محمود سلمان, انه في احدى زياراتها المتكررة للملكة عالية, وصفت لها وضع الملك غازي بعد الحادثة بأنه كان فاقد النطق, وليس فيه ما يدل على الحياة سوى دقات قلبه ونظراته, الامر الذي يجعلنا نستبعد رأي العقيد دي جوري, الذي يشير فيه الى ان (النسوة اللائي كن قد خفضن رؤوسهن عليه سمعنه يئن ويتمتم باسم عبدالإله) ويفسرها دي جوري, على ان الملك غازي حاول ان يوصي للأمير عبدالإله من بعده. ثالثاً: لقد استبعد قانون الأسرة المالكة رقم (49) سنة 1938 الصادر في عهد الملك غازي الامير عبدالإله ضمناً من تشكيلة هذه الأسرة. فقد نصت المادة الثانية منه على: (تتألف الاسرة المالكة من فروع الملك فيصل الأول وزوجة الملك ويكون الملك رئيساً لها) فكيف يوصي الملك غازي للأمير عبدالإله بعد توقيعه على ذلك التشريع؟ رابعاً: ان استعراض ساسة البلاد المجتمعين في البلاط الملكي في الرابع من ابريل 1939 لصفات وظروف امراء البيت الهاشمي: عبدالله وزيد وعبدالإله, يدل على عدم ترك الملك غازي للوصية القائلة باسناد منصب الوصاية للأمير عبدالإله, اذ كان بالإمكان الاستناد اليها, وعرضها على مجلس الامة, الذي يبت في الأمر استناداً الى احكام (القانون الأساسي) فينتهي الامر. خامساً: ان الملك غازي لو أراد ان يترك وصية كهذه لما نطق بها شفهياً امام زوجته وأخته, بل لاستعد لها وكتبها بخط يده وأودعها في أقل تقدير بمكان امين لذلك وصف طالب مشتاق تلك الوصية في مذكراته قائلاً: (انها وأيم الحق شهادة ملفقة, لحمتها الكذب وسداها التزوير والافتراء). لماذا تدخل العسكر؟ سادساً: اذا كانت الوصية موجودة فعلاً, فلماذا تدخل ضباط الجيش لصالح من كانت الوصية بجانبه؟ ولا سيما انه لم تكن قوة اي من المرشحين الآخرين تستدعي مثل هذا التدخل, فقد اعرب رئيس اركان الجيش, الفريق حسين فوزي, لوزير الدفاع طه الهاشمي, عن (استعداده لسفك الدماء الى الركبة, اذا ما عورض انتخاب الامير عبدالإله) ومارس العقيد محمود سلمان, دوراً فعالاً في الدعاية للأمير عبدالإله داخل الجيش, وقال: (يهمني ويهم اخواني (العقداء) ان يكون الأمير عبدالإله وصياً على العرش لأنه من صميم العائلة الهاشمية اولاً, ولأنه شاب عاقل يقدر مسئولياته تجاه العرش والبلاد) لذلك نقل طه الهاشمي تحذير ورغبة الجيش هذه الى السيد محمد الصدر, عضو اللجنة الخاصة للاختيار ولم يكن مصادفة ان يخرج الهاشمي من الاجتماع الطارئ لمجلس الوزراء ليخبر صلاح الدين الصباغ الذي حضر الى قصر الزهور بأن الوزراء قرروا ترشيح الأمير عبدالإله وصياً للعرش. سابعاً: آراء الشخصيات التي اسهمت في اقرار وصاية الأمير عبدالإله: لقد اعترف طه الهاشمي, في مذكراته بعدم صحة الوصية المنسوبة الى الملك غازي, لكنه سوغ اندفاعه الى ترشيح الامير عبدالإله (لأنه خال الملك واخو الملكة, وميله للصدق والعفة, وعدم شيوع ما يمس بسمعته) وعد نوري السعيد انتخاب الامير عبدالإله وصياً على العرش خطوة غير صحيحة, وتمنى لو تم انتخاب الأمير زيد بدلاً عنه فيما اشار صلاح الدين الصباغ, في مذكراته, الى ان العقيد محمود سلمان (يعض على أنامله من الندم) لما بذل من مساع اوصلت الامير عبدالإله الى مقام الوصاية. ثامناً: ذكر سعيد حقي: ناظر الخزينة الملكية الخاصة, انه حضر في أحد ايام الجمع مجلساً لدى الأسرة المالكة ضم الملك غازي والأمير عبدالإله ونوري السعيد, وقد افصح الملك في هذا اللقاء, عن رغبته في (تولي عمه الأمير زيد الوصاية على ابنه فيصل لو حدث شيء على حياته). ويضيف سعيد حقي ان الملكة عالية قد اتصلت به, بعد وفاة الملك غازي, وطلبت منه ان لا يدلي بشهادته عما سمعه من الملك الراحل بخصوص اعطاء الوصاية الى الأمير زيد, وان يدلي برأيه لصالح الأمير عبدالإله, الذي تفضله الملكة على الامير زيد, لكونه اخاها, وانه اعلم بشئون العائلة وامور المملكة من الامير زيد فطلب سعيد حقي من الملكة, في هذه الحالة, استبعاده عن الادلاء بشهادته, لكي لا تتعارض مع شهادتها: (فحظي موقفه هذا بتقدير الملكة, على عكس الأمير عبدالإله الذي ظل يمقته ولا يرتاح له). تاسعاً: آراء الشخصيات المعاصر للأحداث: اشار عبدالرزاق الحسني (ان الوصية المشار اليها كانت مفتعلة وغير صحيحة) ويعلل الحسني ذلك بأن الملك غازي لو كان يفكر في اسناد منصب الوصاية الى الامير عبدالإله, لأعده لهذه المهمة اعداداً تاماً ولأوكل اليه بعض الامور والأعمال الجسيمة التي تكسبه الخبرة والتمرس في تصريف الامور السياسية, بدلاً من ان يهمله اهمالاً مشهوداً, مكتفياً بوجوده موظفاً صغيراً في الخارجية العراقية واخبرنا الدكتور كمال السامرائي طبيب الملكة عالية, (ان الملكة لم تتحدث عن فترة ما بعد غازي). ان لدى الباحث اقتناعاً شخصياً بأن الوصية, ان كانت موجودة فعلاً, فهي بخصوص الأمير زيد, المؤهل حقاً للوصاية, لأنه اكثر نضجاً وخبرة من الأمير عبدالإله, لكن ضعف الكتلة السياسية التي وقفت الى جانب ترشيحه, فضلاً عن عزوف البريطانيين عنه, ادى الى ترجيح رأي نوري السعيد, المعزز بقوة الجيش, بانتخاب الأمير عبدالإله وصياً, بدلاً من الأمير زيد الذي, عدته وثيقة بريطانية, للتجربة ولا سيما في تلك الظروف وصياً على الملك مدة طويلة, قد تقع خلالها احداث جسيمة, تستوجب معالجتها جمع ساسة البلاد, وترؤسهم للتشاور معهم, فيما تقتضيه مصلحة البلاد, لذا رجح الأيوبي ان يعهد بمنصب الوصاية الى رجل ذي حنكة ومرونة, ليتمكن من قيادة البلاد (في المدلهمات من الاحداث). أما جميل المدفعي, فكان ميالاً الى تولية الأمير زيد, ولكنه في الوقت نفسه كان متحفظاً في تصريحاته ضد ترشيح الامير عبدالإله وحينما لم يجد كل من الأيوبي والمدفعي من يشاطرهما الرأي, قالا: (المجالس أمانات) اذ كانا يخشيان ان ينقل شيء من موقفهما الى الأمير عبدالإله, لكن محمد مهدي كبة تمسك برأيه الداعي الى ترشيح الأمير زيد لكبر سنه وكياسته ويبدو ان محمد الصدر وابراهيم كمال, كانا ايضاً يميلان الى ترشيح الأمير زيد, وبعث توفيق السويدي, الذي كان وقت وفاة الملك غازي خارج العراق, ببرقية الى رئيس الوزراء رجح فيها تكوين (مجلس الوصاية) بدلاً من تعيين (وصي واحد) لكن هذا الرأي لم يكن من القوة بحيث يجد من يؤازره فقد تزعم نوري السعيد الكتلة التي نادت بوصاية الأمير عبدالإله, وضمت طه الهاشمي ورستم حيدر ورشيد عالي الكيلاني والتي اكتسبت من تأييد الكتلة العسكرية لها قوة مضافة, فقد كان الهاشمي ينطق باسم الجيش, وباسم كتلة صلاح الدين الصباغ بالذات,التي كان لها ثقل سياسي وعسكري, تستطيع بموجبه تحريك سياسة البلاد, فكان من الطبيعي, والحال هذه, ان تختفي كل الاصوات التي عارضت ترشيح الأمير عبدالإله. وهكذا تمكن نوري السعيد من أن يختار من بين أمراء البيت الهاشمي اقرب شخص اليه هو الأمير عبدالإله, الذي, فضلاً عن ذلك, كان البريطانيون يميلون ايضاً الى اختياره, ليصبح وصياً على عرش العراق ولتبدأ بذلك مرحلة جديدة في حياة الوصي السياسية. بدايات حياة سياسية عندما باشر الوصي مهامه الدستورية كان قد بلغ من العمر السابعة والعشرين, ولقلة تجربته السياسية وحداثة سنه, سار في بادئ الامر (سيراً متئداً) على حد تعبير الحسني فترك تصريف شئون البلاد الى الوزارة المسئولة وفقاً لأحكام (القانون الأساسي). استهل الوصي نشاطه الرسمي بقبول استقالة الوزارة السعيدية الثالثة, في السادس من ابريل 1939, عملاً بالتقاليد الدستورية, وتكليف رئيسها المستقيل باعادة تشكيلها في اليوم نفسه, الامر الذي كان من المنتظر ان يقع, بعد الدور الفعال لنوري السعيد في توليته منصب الوصاية والواقع ان الوصي, القليل التجربة والخبرة يومئذ, كان احوج ما يكون الى شخص قوي مثل نوري السعيد يتمتع برضا البريطانيين وتأييد كبار ضباط الجيش. لم يكن الوصي, يوم تسنمه لمنصبه, خبيراً بأساليب الحكم وفنونه, فسعى الى تجاوز ذلك بالعمل على توطيد حكمه بالتقرب الى الشعب من جهة, وتوثيق علاقته بساسة البلاد المتنفذين, من جهة ثانية ولم يكن خطاب الثالث عشر من ابريل 1939, الذي خص به الوصي الشعب الا خطوة بهذا الاتجاه فقد رثى في مستهله, الملك الراحل, وشكر للشعب ما أبداه من عواطف نبيلة, خففت هول المصاب الجلل, ثم قال: (شاءت الاقدار ان اقوم بأعباء المقام الذي اعتلى بفيصل (الأول), واضاء بغازي, الى ان يشتد ساعد وديعته العزيز جلالة الملك فيصل الثاني, واني اعاهد الشعب, على قيادة البلاد بعزيمة صادقة طبقاً للأهداف العالية المرسومة, ومجابهة المستقبل بثقة واطمئنان, مستمداً القوة من فيض هذا الشعور النبيل, والمعونة من رجالكم المخلصين الذين جاهدوا لإقامة هذا الكيان). وبالاتجاه نفسه, ادرك الوصي, في مستهل حكمه, اهمية توثيق علاقته بالعقداء الاربعة, لتعاظم نفوذهم, واحكام قبضتهم على شئون البلاد السياسية, فسعى الى توظيفه لمصلحة العرش لذا لم يكن غريباً ان يبدأ هو بطرق أبواب الود معهم, فخلال الشهر الثاني من وصايته دعاهم الى حفلة شاي خاصة, في ملعب التنس المجاور لقصر الرحاب, استهل بها مسامراته معهم, واستمر ذلك طويلاً, وفق رواية الصباغ الذي اضاف ان الوصي قد اسمعهم, في هذا اللقاء, وعوداً عن نفسه, عززها بالأيمان الغليظة, من انه سيكون عند حسن ظنهم به, وأنه سيشد من ازرهم كواحد منهم حتى النهاية ويبدو ان الوصي قد اظهر للعقداء, من الأدب الجم ما لفت نظرهم ودفع بأقربهم زلفة لديه, محمود سلمان, الى التفاخر امام بقية رفاقه بأن (الوصي ارفع من غازي اخلاقاً وأعمق ادراكاً). بادل العقداء الوصي الرغبة في توطيد علاقاتهم بالبلاط ويبدو ان كلاً من الطرفين تصور انه كسب الطرف الآخر وهو الاعتقاد الذي سعى من اجله العقداء الى تعزيز مكانة الوصي وزيادة هيبته فقد اقترح الصباغ على وزير الدفاع طه الهاشمي, تخصيص موكب لمرافقة الوصي في ذهابه الى البلاط وعودته منه, على غرار موكب الملك غازي, الا ان الهاشمي, رفض ذلك مسوغاً الامر بأنه لا يرغب في ان يكون الوصي مثل ابن عمه, الملك غازي, يدفعه الغرور والمظاهر الفخمة الى الطيش, فيسيئ استعمال منصبه, واضاف الهاشمي (ان عبدالإله وصي لا ملك وليس له ما للملك من حقوق) وازدادت الصلة عمقاً بين العقداء والوصي, فكانوا حريصين على لقائه مرة في الاسبوع في قصر الرحاب للتحدث في مواضيع شتى, فيعيرهم الوصي (اذناً صاغية وعيناً واعية) وفق تعبير الصباغ. على صعيد آخر افتتح الوصي, في الثاني عشر من يونيو 1939, الاجتماع غير الاعتيادي للمجلس النيابي الجديد, بأول خطاب عرش له, استعرض فيه التطورات والحوادث التي شهدتها البلاد في المرحلة الماضية, ثم حدد المنطلقات الجديدة لسياسة البلاد الخارجية القائمة على توثيق اواصر الاخوة مع الاقطار العربية, والاهتمام بقضية سوريا وفلسطين على نحو خاص, اما على الصعيد الدولي, فقد نالت دول الجوار اهتماماً خاصاً حيث ستكون العلاقات مع ايران وتركيا قائمة على اساس ميثاق سعد أباد, وخلص خطاب العرش الى استعراض مشاريع الوزارة على الصعيد الداخلي. زاول الوصي نشاطاً ملموساً من اجل الوقوف على احوال البلاد وشئونها عن كثب, الواقع الذي تجسد في الزيارات التفقدية التي قام بها الى ألوية (محافظات) القطر المختلفة ففي الخامس عشر من اغسطس 1939, توجه الى شمال العراق على متن طائرته الخاصة (النسر الذهبي) لزيارة لوائي الموصل وأربيل, بصحبة رئيس الديوان الملكي رشيد عالي الكيلاني, ثم لحق به رئيس الوزراء نوري السعيد وكان من المقرر ان تشمل هذه الزيارة لوائي كركوك والسليمانية ايضاً, الا ان مرضاً مفاجئاً اصاب الوصي في مدينة أربيل اضطره الى العودة الى بغداد في السادس والعشرين من اغسطس 1939 ويبدو امراً مقبولاً ان الوصي توخى من وراء هذا النشاط توثيق علاقته بأبناء الشعب, والاطلاع على احوالهم فضلاً عن مد وشائج تعارف جديدة مع المتنفذين من شيوخ العشائر وكبار التجار ورجال الدين البارزين. لم يمض اكثر من اسبوع على عودة الوصي من هذه الجولة, حتى هز العالم نبأ اندلاع الحرب العالمية الثانية في الثالث من سبتمبر 1939 الحدث العالمي الأول الذي تعامل الوصي معه, بحكم موقعه في الدولة فالعراق اسوة بأقطار الشرق الاوسط, لم يكن بمنأى عن انعكاسات الحرب, ولا عن اهتمامات المعسكرين المتحاربين, لكثرة موارده الاقتصادية, ولا سيما النفطية منها, وموقعه الاستراتيجي المهم, مما جعل بريطانيا تبذل جهودها لضمان بقاء العراق الى جانبها, وحثه على قطع علاقاته بألمانيا, واعلانه الحرب عليها لهذا بادر السفير البريطاني بازل نيوتن في اليوم الاول من الحرب الى مقابلة رئيس الوزراء نوري السعيد ووزير الخارجية علي جودة الأيوبي, ليعرض عليهما مطالبة بلاده, والارجح انه تلقى وعداً منهما بتلبية الطلبين. ومما يؤكد ذلك ان السفير البريطاني اظهر عند مقابلته للوصي في الرابع من سبتمبر 1939 ومن قبله لرئيس الديوان الملكي رشيد عالي الكيلاني, برقية شكر من حكومته على ما عده السفير قراراً من جانب الحكومة العراقية بالدخول في الحرب الى جانب بريطانيا ويذكر الهاشمي, ان الوصي قد دهش لهذا الخبر, وانكر هذا التسرع من السعيد والأيوبي, وكان من المفترض ان يخبر الوصي وعملاً بالتقاليد المتبعة, رئيس ديوانه بما دار بينه وبين السفير, ليقوم رئيس الديوان بنقل مضمون الاجتماع الى مجلس الوزراء لغرض الاطلاع لكن الوصي لم يفعل ذلك هذه المرة, كما اعتاد في المرات السابقة ويبدو ان الوصي اراد ان يكتم عن رئيس ديوانه محتوى البرقية التي اطلعه عليها السفير من دون ان يعلم انه سبق ان احيط بها علماً ومن شأن المحاورة التي جرت بين الوصي ورئيس الديوان, ان تلقي ضوءاً على موقف الوصي من الحرب في أيامها الاولى فقد سأل الكيلاني الوصي فيما اذا كان السفير البريطاني قد عرض عليه في الاجتماع المذكور امراً يتعلق بالحكومة؟ فنفى الوصي ذلك, وعندما اخبره الكيلاني بموضوع البرقية التي اطلعه عليها السفير قبل الاجتماع, اجاب الوصي بأنه ليس على علم بهذا الامر. واراد الكيلاني استدراج الوصي فأخبره انه في حالة وجود قرار وزاري بخصوص اعلان الحرب فيجب ان يعرض على البلاط عن طريق الديوان الملكي وانه, بصفته رئيس الديوان, لم يرد اليه مثل ذلك القرار فرد الوصي (من الجائز ان نوري والأيوبي ابلغا السفير بذلك, دون اخذ موافقة مجلس الوزراء) عندها اقترح الكيلاني على الوصي دعوة مجلس الوزراء الى جلسة طارئة تعقد برئاسته لمناقشة هذا الموضوع الخطير, فوافق الوصي مضطراً). تولى الوصي رئاسة الاجتماع الطارئ لمجلس الوزراء, في الخامس من سبتمبر 1939, وعلى مدى ست ساعات تبادل المجتمعون وجهات النظر في الموقف الواجب اتخاذه من الصراع العالمي القائم فكانت وجهة نظر نوري السعيد ان يبادر العراق الى قطع علاقاته مع ألمانيا ويعلن الحرب عليها, وقد وافق على اقتراحه معظم الوزراء, في حين اعترض عليه وزيرا الدفاع طه الهاشمي والعدلية محمود صبحي الدفتري بينما ايد الوصي الاكتفاء بقطع العلاقات, الى ان يقرر العراق موقفه الاخير في ضوء الاحداث والتطورات اللاحقة وعلى هذا الاساس انفض الاجتماع باتخاذ قرار يفضي بقطع العلاقات الدبلوماسية بين بغداد وبرلين, وتسفير جميع الرعايا الألمان خارج العراق فغادر فريتز جروبا الوزير الألماني المفوض الاراضي العراقية يوم السادس من سبتمبر. لم يكتف العراق بقطع علاقاته مع برلين, بل اعلن تمسكه بمعاهدة التحالف نصاً وروحاً, واستعداده (لدعم المجهود الحربي لبريطانيا, حتى تنتصر المبادئ التي دخلت الحرب من اجلها).