في الأخبار ان اللجنة التي شكلها الملك المغربي محمد السادس أقرت تعويضات بمبلغ يصل إلى 150 مليون دولار ممن عانوا من عمليات التعذيب والتنكيل طوال عقود خلت في المملكة المغربية.

وهي خطوة تمهد لتعزيز مبادرة المصالحة والتسامح التي أطلقها الملك بنفسه للتخلص من بذور الحقد والكراهية بين أبناء الشعب الواحد خصوصا تجاه أولئك الذين عانوا من التعذيب والتنكيل في زنازين السلطة وهي بادرة تستحق التقدير ذلك أنها تشكل سابقة لم يألفها احد من قبل في عالمنا العربي.

ومبلغ الـ 150 مليون أو الـ 200 مليون دولار الذي أقرته اللجنة التي شكلها الملك كتعويضات ليس هو الأهم بقدر ما هو بداية لنهج جديد تسلكه السلطات الرسمية والأنظمة العربية في تعاملها مع مواطنيها حتى وان كان بعضهم مات تحت التعذيب أو ما زال غائبا لا يعرف أثره.

المهم ان المغرب يخوض حاليا غمار مرحلة قد تمهد للمزيد في ترسيخ معايير جديدة في الحكم والسياسة في منطقة عانت شعوبها من تسلط الأنظمة وتناسل السجون المخصصة لأبناء الوطن ممن راودته نفسه يوما التعبير عن رأيه وهو أمر لا ترضى عنه دواوين الداخلية وحجرات الاستخبارات.

هذا الاعتذار الملكي لا يشكل نقيصة أو مثلباً للملك بقدر ما هي علامة مضيئة ستسجل له في منطقة باتت في اشد الحاجة إلى مثل هذه البادرة خصوصا بالنسبة لتلك الشعوب التي ابتليت بأنظمة تخصصت في تقنيات التعذيب وجلد الظهور بالسياط.

وماذا على الأنظمة إياها لو اعترفت وعوضت أولئك الذين ظلمتهم هل سينتقص من هيبتها؟

يكفينا المغرب مثالا للدلالة على ان قيم التسامح والمصالحة كفيلة بقيام مجتمع آمن خال من كثير من الأمراض الاجتماعية حتى وان وجدت بعض مظاهر الفقر فلا يوجد اخطر على المجتمع من اناس تملأ قلوبهم الحقد وعندها تتوالد أمراض الإرهاب وكره المجتمع والحقد على الأنظمة الحاكمة.

تحية مرة أخرى للملك محمد السادس مع الأمل بأن تنتشر هذه العدوى إلى جميع تلك الشعوب التي ابتليت بالتعذيب والقهر ويرد الاعتبار لأناس عانوا من مرارات تنكيل السلطة لا لشئ سوى الجهر بالرأي أو مقال في صحيفة أو كلمة نقادة ورحم الله الفاروق حين أنصف القبطي من حاكم مصر عمرو بن العاص وابنه وقال قولته المشهورة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً» ويا لها من كلمة تصلح لأن تكون دستورا يمشي بين الناس.