«المياه النظيفة تسير دوماً باتجاه الأغنياء ومياه الصرف الصحي تنحدر باتجاه الفقراء» هذه طرفة يتندر بها البعض في مسألة توزيع المياه في العالم سواء بين الأغنياء من البلد الواحد نفسه أو بين الدول الغنية والفقيرة باعتبار أن الأخيرة أكثر عرضة للعطش من سابقتها.

نسوق هذه المقولة المبكية بمناسبة صدور تقرير الأمم المتحدة حول المياه والتنمية والذي يشير إلى ان الفساد وراء عطش خمس سكان العالم أو 1 ,1 مليار شخص لمحبي لغة الأرقام وهي أرقام مخيفة وهي بالوقت نفسه توسع من معنى الفساد أو بمعنى أدق تعطيه أبعاداً وأشكالاً جديدة.

هل يتصور عاقل ان الماء وهو أحد عناصر ثلاثة يجب ان يشترك البشر فيها إضافة إلى الكلأ والنار كما أخبر نبي الرحمة يمكن ان تطالها الأيدي السوداء بهذه الطريقة، وهل يمكن ان تمتد أذرع الفساد لتحرم الملايين من الناس رشفة الماء وتسوقهم الى الموت عطشاً.

وكما يقول التقرير حرفياً فإن «جهات فاسدة تتحكم في وصول المياه النقية باتجاه الأغنياء في حين تسير مياه الصرف الى الفقراء» وهل يتصور احد ان مياه الصرف الصحي تتجه فقط إلى الفقراء رغم ان تقرير المنظمة الدولية .

يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن هناك موارد مياه عذبة تكفي لسكان الأرض، ومن قبله قول رب العزة «انا كل شيء خلقناه بقدر» فكيف يتحدث الناس عن أزمة مياه في العالم.

لن نتحدث عن معاناة 6, 2 مليار نسمة ممن يفتقدون وسائل الصرف الصحي ولكننا نركز على تلك «السلطة» التي تغتال حياة الفقراء وتدفع بهم نحو العطش المهلك دون رقيب أو حسيب وهي «سلطة» أشار إليها التقرير بأنها تتحكم في تدفق المياه زمانا ومكانا.

الموت عطشا كان دوما مسألة إدارية بحتة لا علاقة لها بقلة موارد المياه والجفاف الذي يتشدق فيه كثير من المسؤولين، والفساد والرشاوى مسؤولة تماما عن أزمات المياه في العالم، ولو نظرنا إلى الهند مثلا فإن 41 بالمئة يدفعون الرشاوى لتزييف قراءات العدادات.

ولو تم التعامل بحكمة مع الفيضانات والجفاف في كينيا لما كان هناك أزمة مياه في الوقت الذي تؤكد فيه المنظمة الدولية ان المياه الموجودة في القارة السمراء تكفي للجميع ولكن الفساد وسوء الإدارة يحولان دون توفير كميات كافية للناس هناك.

منطقة القرن الإفريقي التي يعاني فيها 11 مليون شخص من شح الماء والغذاء يمكن ان تجد فيها كميات من الأسلحة ومعدات الموت تكفي لإبادة قارة بأكملها وهي أسلحة لا نعرف كيف ومن دفع ثمنها ولصالح من أو ضد من تستخدم.

المياه قد تكون عنوانا للحروب والأزمات أيضا خصوصا في مناطق لا ينقصها التوتر مثل الشرق الأوسط، فهل نصدق ان العراق الذي حباه الخالق بدجلة والفرات يعاني العطش يوميا تحت بركات الاحتلال في حين ان 400 مستوطن في الخليل الفلسطينية مثلا يتحكمون في حصة 400 ألف فلسطيني وهو مثال بسيط على حرمان الفلسطينيين من أبسط حقوق الجوار هذا اذا سلمنا ان هناك جارا ثقيلا يتحكم بحنفيات المياه فضلا عن الغذاء والدواء.

التخلف والضعف الذي يعصف بكثير من دول العالم التي تدعي زورا إنها «نامية» مرده الرئيس إلى الفساد والإدارة وليس ضعف الإمكانات أو الجفاف أو قلة مصادر المياه وهي الحجج التي تبيعها الجهات الرسمية يوميا لوسائل الإعلام.

asmadi@albayan.ae