ما يجري حاليا على الساحة الفلسطينية المشحونة أصلا بالقهر والضيق والحصار العربي والعالمي هو ترجمة عملية للديمقراطية التي حرص عليها المجتمع الدولي ممثلا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي لم يكف بعد عن عمليات النفاق والمداهنة للولايات المتحدة رغم انه يتحمل وزر كثير من مصائب وكوارث هذه المنطقة.

وكأن الأرض والشعب الفلسطيني لا يكفيهما حصار القريب والبعيد حتى تنقض حماس والسلطة على بعضهما وسط إجراءات فعلية على الأرض يقوم بها اليهود لرسم حدود ( آمنة ) كما يقول أولمرت الذي تنفذ قواته عملية التطبيق العملي للحصار العربي العالمي للشعب الفلسطيني جزاء وفاقا على انتخابهم بحرية تامة لممثليهم وفق عملية سموها ديمقراطية لاكها الغرب سنين طوال لإقناع المنطقة بتبنيها لتحقيق السلام والازدهار.

الحصار العربي والعالمي لم يكن مفاجئا في كثير من جوانبه، لكن الاحتراب الداخلي في هذا الوقت بالذات يعد خطيئة لا تغتفر لمن يغذيه بالوقود والنار ،وعلى أهل العقل والرأي وأد الفتنة في مهدها حتى ولو كانت على حساب مصالحهم، لأن ما سيجري بعد ذلك لن يرحم فئة على حساب أخرى، سواء كانت في السلطة او خارجها.

هناك الكثير من أصحاب الرأي ممن يتلمظون على فشل حماس ويستعدون منذ الآن للكتابة حول فشل التجربة باعتبار أنها (إسلامية) كسابق التجارب التي مرت بها المنطقة وفشلت وستراهم عبر كل المنابر يتحدثون عن الأسباب والنتائج وبالطبع لن يتذكروا ان العالم عربا وعجما حاصر الشعب الفلسطيني بسبب خياره الديمقراطي.

فشل حماس أو إذا شئت فسمها ازدواجية المعاملة التي برع فيها الغرب تجاه كل القضايا العربية لن تحقق الاستقرار والأمن اللذين تريدهما الولايات المتحدة على حساب حقوق شعب احتلت أراضيه وشرد شعبه لأن الشعب الذي اختار حماس اكتوى كثيرا بنيران الحلول المبتورة التي لم تجلب لا سمنا ولا عسلا لتلك المنطقة، كما روج يوما ما أصحاب النظرة الموضوعية والعقلانية.

إذا استمرت الأوضاع الكارثية كما هي اليوم فإن حماس مطالبة بالتوجه إلى الشعب الفلسطيني والتحدث إليه بالفم الملآن ان مصلحة الشعب الفلسطيني تقتضي مغادرة حماس للسلطة التي جاءت بها عبر انتخابات حرة. وان العالم الذي طالب بخيار الشعب يحاصر الشعب الذي انتخب حماس لا لشيء سوى محاولة الضغط على الفلسطينيين للتخلي عن حقوقهم وأراضيهم باسم المرونة والعقلانية الفارغة.

حماس مطالبة أيضاً بالحذر والانتباه بأن المخطط الذي يجري حاليا لا يكتفي بالحصار ،وإنما بتحريك الفتنة داخليا عبر شخوص معروفة تقوم بين حين وآخر بألعاب اقل ما توصف بأنها صبيانية لأن الشعب يعرف ماهيتها ولمن يجري تنفيذها.

الجوع الذي فرضه العالم «الحر» على الشعب الفلسطيني لم ولن يكون غريبا على من اكتوى بنيران الاحتلال أكثر من 55 عاما بدعم من دول طالبت دوما بالديمقراطية وهي التي غرست ورعت نبتة الاحتلال منذ المهد. وجاء فوز حماس ليكشف للعالم مدى النفاق والزيف الذي تتمتع به هذه الدول.

انسحاب حماس من المشهد السياسي الفلسطيني لن يضر بها كحركة وطنية فلسطينية خصوصا إذا توجهت للشعب الفلسطيني .ان هذا الانسحاب يأتي لمصلحة الفلسطينيين وليس هروبا من الواقع. وبأن العالم عاقب الشعب الفلسطيني بسبب حريته فقط.

السلطة لم تكن غاية ومطمحا لحماس يوما، وهي لم تصل إليها عبر دبابة أو انقلاب وإنما جاءت بها صناديق الانتخاب التي صممها الغرب واعتقد ان مصلحة الفلسطينيين وقطع الطريق على كل الذين راهنوا على حرب داخلية أولى لحماس من السلطة والسيادة الناقصة المحاصرة من العرب والعجم.

asmadi@albayan.ae