خلافا لكل نكبات العالم فإن النكبة التي أصابت الشعب الفلسطيني قبل 58 عاما أصابت معه كامل العالم العربي والإسلامي و كانت الترجمة العملية للعجز والضعف اللذين أحاطا بهذه الأمة منذ بداية القرن وحتى اليوم.

ولا يبدو ان القوى العالمية التي ساهمت في صناعة هذه النكبة وعلى رأسها بريطانيا العظمى سابقا تشعر اليوم بوخز الضمير على تشريد شعب بكامله وتقديم أرضه لشعب آخر، فهاهي بريطانيا تقوم بدورها في حصار وتجويع الشعب الذي سرقت منه أرضه قبل 58 عاما وقدمتها هدية لليهود.

نكبة الشعب الفلسطيني أو نكباته المستمرة منذ أكثر من نصف قرن لم تحرك ساكنا في قوى المجتمع الدولي التي تحاصر الشعب الفلسطيني اليوم على خياره الديمقراطي بعد ان صنعت بالأمس دولة أسمتها إسرائيل وزودتها وما زالت بكل مقومات الحياة حتى قوى عودها لتصبح اليوم دولة شرق أوسطية باعتراف الأمم المتحدة التي يصيبها التهاب المفاصل والكساح ولا تستطيع الحراك خصوصا عند الحديث عن الحقوق العربية.

ما يجري اليوم وما جرى أمس لا يمكن تعليقه على القوى الدولية وحدها اذ ان الأوضاع في داخل العالم العربي كانت من الهوان بحيث يحار المرء في وصفه وكانت لديها كما يقول مالك بن نبي القابلية للاستعمار الذي اكتوت بناره جميع الشعوب العربية قبل ان تتحرك وتحوز على استقلالها.

وبمناسبة الحديث عن الاستعمار وللذكرى فقط فإن الوجود اليهودي في فلسطين هو آخر أشكال الاستعمار والاحتلال التي بقيت حية إلى اليوم، والغريب ان ذلك يحدث باعتراف الدول التي تدّعي حرصها على الحرية وحقوق الشعوب

وهي تلك الدول التي حشدت يوما ما أكثر من ثلاثين دولة لطرد صدام حسين من الكويت مع ان المنظمة الدولية أصدرت قرارات قد تغطي قارة بأكملها تدعو إسرائيل للانسحاب وهي مجرد دعوة لم تتحقق بفضل الدعم الذي توفره الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان كانتا السبب في هذه الكارثة.

الدول الكبرى ومن بينها الدولة العظمى الوحيدة في العالم وتلك التي غابت عنها الشمس تحاصر اليوم الضحية وليس الجلاد لتجبره على الاستسلام والتنازل عن حقه وهي تطالب بالاعتراف بشرعية المحتل الذي جرمته كل قوانين الأرض فضلا عن القوانين السماوية في الوقت الذي يتحدث فيه ضباط المفاوضات وأصحاب المبادئ العقلانية من بني يعرب عن الحاجة إلى استئناف المفاوضات.

لو فتحت الدول العربية حدودها للفلسطينيين وسمحت بتقديم الأموال للشعب المحاصر فلا حاجة للدول الكبرى ولن تكون هناك فائدة مرجوة من حرب التجويع ضد الشعب الفلسطيني والمطلوب فقط حياد العرب في مسألة حصار الفلسطينيين والسماح بدخول الغذاء والدواء وهناك الكثير من الطرق التي يمكن بها إزالة الحصار البشع عن شعب اعزل محاصر.

كاتب عربي تحدث مؤخرا في مقالة له عن حماس بأنها السبب في هذه الأزمة باعتبارها رافضة للمبادرة العربية وهي مسؤولة كذلك عن الأزمة المالية وبالطبع لم يأت على ذكر الخزائن التي وجدتها حكومة حماس خاوية على عروشها وفارغة بعد ان نهبت وسرقت بشكل جماعي وكأن الوضع قبل حماس كان سمنا وعسلا والرفاهية كانت تعشعش بين أبناء الشعب الفلسطيني.

من بين كل شعوب العالم الذي احتلت أرضه الشعب الفلسطيني هو الوحيد المطالب بالتنازل عن أرضه وهو لم يجد بعد من دول العالم التي تدعي الحرية وحقوق الإنسان من يقول بحقوق فلسطينية على الأرض الفلسطينية التي قدمتها بريطانيا هدية لليهود،

فماذا يتوقع العالم من هذا الشعب ؟ هل سيخرج بالورود للمحتل كما توقع المحتل الأميركي في العراق أم تراه يتوسل للحصول على الخبز والدواء الذي يمنع عنه الآن؟ واعتقد ان رد الفعل يختلف عن ذلك كله .

المعضلة التي لم يفهمها بعد بعض المفكرين والكتاب العرب أو التي يحاولون تجاهلها هي طبيعة الشعب الفلسطيني والذين راهنوا على حرب أهلية فيه ففشلوا ويراهنون على ان انسحاب حماس من الحكم كفيل بتحقيق السعادة للفلسطينيين،

في حين يدرك الشعب الفلسطيني ان العلة ابعد من ذلك وهم على استعداد للتحمل ولكن ليس على حساب التفريط بالحقوق والمبادئ التي انتخبوا حماس على أساسها ذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .

asmadi@albayan.ae