نعم لقد فرخت الحرب على العراق أجيالا وليس جيلا واحدا من الجهاديين او الإرهابيين في ذلك البلد وهذا الأمر جاء من خلال وثيقة مخابرات حصلت عليها صحف أميركية على رأسها نيويورك تايمز والأمر كان معروفا منذ البداية ان مثل هذه الحرب لن تدر لبنا وعسلا على إدارة الرئيس وبوش وصديقه توني بلير.

الهمس بين مختلف وأقسام الإدارة الأميركية بدأ يأخذ شكلا من أشكال الاعتراف والتحدث علنا، ففي الأسبوع الماضي أشار احدهم إلى ان الحرب الأميركية على العراق كانت اكبر خطأ في تاريخ هذه الدولة وليس لها ما يبررها ولم تشن إلا لغاية تسلطية ونزعة مرضية داخل نفوس عدد من أركان إدارة بوش والجميع بات يعرف؛ وحتى الولايات المتحدة نفسها ان الوضع في العراق يسير من سيئ إلى أسوأ وان الحرب الأهلية أصبحت واقعا فعليا.

لقد كرر أكثر من مسؤول وخبير دولي ان العراق كان أكثر دولة ربما في العالم بعدا عن ما يسمى في عالم اليوم بالإرهاب أو علاقة نظامه مع الإرهابيين فقد كان نظام حكم شمولياً دكتاتورياً لا يسمح بذلك، وكل أفواج وقطعان من تسميهم الولايات المتحدة الأميركية إرهابيين قدموا مع وصول طلائع الجيش الأميركي إلى العراق قبل سنوات ثلاث ولم يعرف ذلك البلد تلك الفوضى العبثية منذ سنين طويلة وكانت نعمة الأمن رغم دكتاتورية الحكم جديرة بأن يتذكرها أبناء العراق الذين قاطعوا حتى صلوات الجمعة وأيام رمضان خوفا من القتل الفوضوي الذي بات دينا يوميا وعادة وليس استثناء.

الغريب ان ظواهر الإرهاب والقتل المجاني اليومي ما زالت تغطي على أعمال المقاومة الشريفة لقوى الاحتلال وأجيال الإرهاب، والأفكار التي تتناسل عنها يوما بعد يوم لن يستطيع الجيش الأميركي المحتل وقفها حتى لو استقدم جميع أفراده وعدته إلى العراق ولن تستطيع ان تمنع شخصا يريد ان يموت او ينسف نفسه في مسجد او في سوق عام.

ملاحظة جديرة بالاهتمام هنا وهي ان خسائر الجيش الأميركي التي تزيد يوما بعد يوم تتناقص فعند تزايد أعمال العنف الطائفي والمذهبي في العراق حسب رواية كاتب أميركي فإن الشهر الذي يشهد انخفاضا في اعداد قتلى الجيش الأميركي يشهد في الوقت نفسه تزايدا في أعداد القتلى العراقيين.

الرئيس العراقي ما زال يطالب بوجود قوات طويلة الأمد وقواعد جوية على ارض العراق بحجة ضمان عدم تدخل دول الجوار ونريد ان نسأل متى تدخلت دول الجوار في العراق؟ ومتى كان لها مطامح فيه؟ وهل من حق الولايات المتحدة وبريطانيا التدخل في شؤون العراق ولا يحق لدول عربية وإسلامية ذلك؛ رغم ان الولايات المتحدة تمني النفس بوجود قوات عربية وإسلامية قد تسهم في تخفيف حدة العنف الذي جلبته معها والذي لن ينتهي مادام هناك جندي واحد في العراق؟

رغم ان البعض يحذر من الخروج المبكر لقوات الاحتلال من العراق إلا ان الواقع يؤكد ان رحيل قطعان الجيش الأميركي يضمن عودة المنطق والأمان لهذا البلد لأن العنف جاء أصلاً مع هذه القوات التي تعاملت مع شعب العراق وكأنهم عبيد وتصرفت كأنها ميليشيات وليست جيوشاً نظامية وكان ذلك القرار الأحمق من بول بريمر بتسريح وحل الجيش العراقي هو الذي مهد لانطلاق شرارة العنف والخراب وباءت كل جهود الجيش الأميركي والخطط الأمنية المتوالية هباء ولم تفلح في السيطرة حتى ولو على حي في بغداد فكيف بسائر المدن الأخرى. انها حقا حرب فرخت أجيالاً من الجهاديين كما يقول الأميركيان أنفسهم.

asmadi@albayan.ae