ما بين وقوف الرئيس بوش على ظهر إحدى السفن الحربية في الولايات المتحدة مرتديا الزي العسكري وإعلانه انتهاء العمليات العسكرية والنصر في العراق وبين تقرير بيكر ـ هاملتون سنوات ثلاث كان ملخصها أكبر خطأ استراتيجي ارتكبته الولايات المتحدة في تاريخها وأكبر كارثة إنسانية واقتصادية وحتى اجتماعية تلحق بهذا الشعب.

ورغم أن العالم كان ينتظر تقرير بيكر هاملتون حول العراق أو بالأصح حول الكارثة التي سببتها الولايات المتحدة لهذا البلد الخارج من حروب عبثية أكلت الأخضر واليابس والقادم لا يعلم مكنوناته إلا الله إلا أن الجميع كان يعرف المعطيات أو التوصيات التي سيخرج بها في سعي بوش للخروج من مستنقع قد يكون أسوأ من مثيله في فيتنام.

تقرير بيكر ـ هاملتون لم يكن أكثر من نكء جرح نازف أصلاً أصابته البكتيريا وفاحت رائحة العفن منه والجميع كان يتوقع هذه النهاية إلا الرئيس بوش وبعض أركان إدارته وعلى رأسهم رامسفيلد المعزول المتسبب الأول بهذه الكارثة.

لو كان للولايات المتحدة أدنى شعور تجاه مصالح وشعوب المنطقة لما أقدمت على احتلال هذا البلد ولو تواجد بها عقلاء بعد الاحتلال ما أقدمت على حل جيشه القوي والمنظم لتلجأ بعد ذلك إلى تأسيس جيش تنخر فيه العصبيات والانتماء الطائفي فضلا عن عدم توفر صفة الجيش فيه أصلاً مع ذلك المستوى المهلل من الانضباط والقوة وهي بدهيات يعرفها القاصي قبل الداني.

الذين شاهدوا بوش وهو يعلن قبل ثلاث سنوات انتهاء العمليات العسكرية في العراق ربما لم يخطر في بالهم وهم معذورون في ذلك أن الولايات المتحدة وهي تلك القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية الهائلة صاحبة التأثير القوي على معظم دول العالم تمتلك عقل ديناصور ولم يكن لديها استراتيجية لما بعد ذلك أو خطط للمحافظة على النصر الذي تحقق بأيام قلائل ربما لم تتوقعها حتى هي نفسها.

جزء من مشكلة الرئيس بوش تكمن في سوء اختياره لمستشاريه ومعاونيه بدءاً برامسفيلد الذي أطاح به فوز الديمقراطيين بانتخابات الكونغرس الأخيرة مرورا بكوندي رايس وليس انتهاء بجون بولتون آخر المعزولين وهؤلاء جميعا وغيرهم من طبقة المحافظين الجدد الذين أبعدوا الجنرال كولين باول ربما لأنه الأكثر دبلوماسية والأقل تطرفا وعندما تستمع إليهم وهم يتحدثون تظن نفسك انك المستهدف التالي على قائمتهم، ولغتهم لا تخلو من مفردات الحرب والأشرار والإرهاب فيما تغيب كلمات الدبلوماسية والحوار وهذه حقيقة معروفة داخل أميركا وخارجها.

الوقت يداهم بوش وولايته الثانية توشك على الانتهاء حتى وان بقي عامان من عمرها لكن صداع العراق سيبقى يضغط بكل قوته ليس على أعصاب بوش وحده ولكن ملايين الأميركيين الذين ورطهم بوش في مستنقع العراق بداعي الحرب على الإرهاب وحماية الولايات المتحدة بعد ماراثونات طويلة من الخداع والكذب مارستها الإدارة الأميركية على شعبها وعلى العالم أشهرها على الإطلاق ما قام به كولين باول في الأمم المتحدة وتقرير الأسلحة المزيف.

في كل هذه «المعمعة» شاهد العالم كله كيف داست الولايات المتحدة على الأمم المتحدة وكيف وقف كوفي عنان الذي يمضي أيامه الأخيرة في نيويورك عاجزاً عن الحركة ومن قبل ذلك موافقة مؤسسته الأممية على حصار الشعب العراقي لأكثر من عقد من الزمان في سابقة يسجلها التاريخ بأنها الأسوأ في تاريخ الشعوب.

بالطبع هذا ليس دفاعا عن النظام البعثي المقبور لكن الديمقراطية التي يتحدثون عنها لم تحقق الخبز والأمن لأكثر من 22 مليون عراقي قتلت منهم الولايات المتحدة أكثر من 100 ألف شخص.

asmadi@albayan.ae