المشهد العراقي الأخير والذي تمثل في إعدام صدام حسين لم يشذ عن قاعدة كانت مألوفة في تاريخ السياسيين العراقيين ولن يكون صدام حسين آخر من يقف تلك الوقفة أمام حبل المشنقة. فقد وقف قبل ذلك المئات سواء بيد صدام حسين أو غيره وسبقهم لذلك عبدالكريم قاسم ونوري السعيد وغيرهما في مشاهد كان بعضها عبثيا للغاية رغم تعدد الأسباب والمواقف لكن النهاية كانت واحدة لهؤلاء.

الإعدام التلفزيوني والمسرحي لصدام حسين وبهذه الطريقة وذلك التوقيت في فجر عيد الأضحى أمر يثير التقزز حتى ولو كان المحكوم صدام بكل ظلمه وبطشه وقد أثار إعدامه روائح كريهة لعل أبرزها روائح الطائفية التي تجلت في الهتافات التلفزيونية وتوقيت الإعدام نفسه وبالتهمة والقضية التي حوكم بها من بين كل التهم الموجهة ضده في بلد جرته زعيمة الديمقراطية في العالم إلى حرب أهلية فعلية لم يعد ينفع فيها إعدام شخص ذلك أن الشعب كله بات مهددا بالإعدام.

ترافق إعدام الرئيس السابق مع الإعلان عن مقتل أكثر من 12 ألف عراقي وفق إحصاءات رسمية بالرغم من أن منظمات عالمية تؤكد أن الرقم يزيد على ذلك بكثير فمن يقتص للذين قتلهم الجيش الأميركي والميليشيات المسلحة الطائفية.

صدام كان ظالما وقاتلا ولكن ضحاياه ستبقى اقل بكثير من ضحايا القوات الأميركية والميليشيات المسلحة، التي تعيث خرابا وفسادا وتتناسل مثل الجراد منذ أن دخل المحتل ارض الرافدين . وصدام كما يقولون كان شاملاً في ظلمه لم يستثن أحداً من شيعة أو سنة أو أكراداً، فضلاً عن الكويت وإيران لكن ما تقوم به قوات الاحتلال بزعامة أميركا ستجعل من أفعال صدام وسنوات حكمه لبناً وعسلاً.

كنا نتمنى على الحكومة العراقية أن تتصرف بمنطق الدولة التي تقتص بالعدل وليس بمنطق الانتقام والتشفي والشعارات الطائفية أمام منظر الموت الذي لا شماتة فيه حتى لشخص مثل صدام حسين والدين الحنيف يؤكد على حق الحيوان في الموت الرحيم وان نخفي السكين عنه ولا نذبح حيوانا آخر أمامه فكيف بالتصوير التلفزيوني والشماتة ودعاوى الجاهلية البغيضة.

لن تجد بعد اليوم من ينصت إلى دعوات نبذ العنف والمصالحة بعدما رأوا مسرح الموت والشماتة عنده ممثلة في الحكومة وتلك الأفواه التي اختزلت ضحايا العراق بشخص أو شخوص محددة والعنف الذي أطلقت عقاله الولايات المتحدة قبل أربع سنوات يجد كل يوم أراضي خصبة جديدة وحوافز للنمو يشب فيها.

قبل أيام عرض تلفزيون (دبي ون) فيلما بعنوان «مايكل كولينز» وهو الذي قاد حركة التحرير الايرلندية ضد الاستعمار البريطاني ورأينا كيف خلقت بريطانيا المحتلة واقعا جديدا في تلك الدولة انتهت بتقسيمها إلى دولتين بعد حرب أهلية كان ابرز ضحاياها مايكل كولينينز نفسه الذي اغتاله أبناء وطنه. مناسبة الحديث أن التاريخ قد يكرر نفسه في العراق مع وجود المحتل الذي يسعى لتمزيق الدولة وتقسيمها ضمن محاصصة طائفية تماما كما فعل بأيرلندا التي أصبحت شمالية وجنوبية.

وكما فعلت وريثتها الولايات المتحدة بعد ذلك في كوريا التي شطرتها إلى شمالية وجنوبية فلماذا يكون العراق استثناء وقد بدأت بوادر ذلك المشروع تظهر في الأفق مع تسارع وتيرة الخسائر بين صفوفها والفشل العسكري والسياسي الذريع التي يطاردها والذي قد يدفع ثمنه بلد كان يوما ما بلدا عربيا موحدا يملك أقوى جيش في المنطقة.

أرجو ألا يفسر ذلك انه دفاع عن صدام فقد ولت أيامه ومات نظامه في 9 أبريل من عام 2003 ولم يكن إعدامه يقدم أو يؤخر شيئا سوى مزيد من القتل والعنف بين أبناء الشعب الواحد الذين فرقتهم الولايات المتحدة وتبحث الآن عن مخرج لها من فيتنام جديدة.

asmadi@albayan.ae