ماذا يريد الفلسطينيون من بعضهم البعض بعد بيانات التهديد بقتل القادة واستباحة الدم الفلسطيني وكيف يمكنهم التعامل مع عدوهم إذا كانوا لا يستطيعون التعامل مع بعضهم البعض وهم أبناء وطن واحد محتل.

لماذا يتسابق الزعماء في رام الله وغزة على سلطة مغتصبة أصلا وغير موجودة وهناك 10 آلاف فلسطيني أسير في سجون الاحتلال هل أصبحت قضيتهم تنحصر في شرعية القوة التنفيذية حتى أصاب البنادق العور والعمى وتوجهت إلى صدور الآباء والأبناء بدلا من صدور العدو؟

هل ينقص الساحة الفلسطينية غوغاء التهديدات وانتفاخ الأوداج واستدعاء الثارات والعصبيات المقيتة أم يريدونها عراقا أخرى وهذه المرة بدون تدخل أميركي اللهم إلا مبلغ 85 مليون دولار التي يقال أن العم سام سيرسل بها لدعم حرس الرئاسة ولا نعرف من أي خطر سيحرسون ومن أي عدو يحذرون أم أن الأمر مجرد تغليب طرف على آخر خسر الانتخابات ويحاول اليوم العودة ولو بقوة السلاح والدم.

الدم الحرام الذي اريق خلال الأيام الماضية في فلسطين يقدم أغلى هدية لتلك القوة المحتلة للأرض والإنسان وحتى السلطة التي يتنازع عليها القوم هناك ويتلمظون على انتزاعها بشعارات الدم والقتل بدلا من تحكيم لغة العقل ومراعاة دم الشهداء ومعاناة الأسرى ودموع الثكلى الذين ينتظرون من يخفف عنهم لا من يزيد في أوجاعهم.

لقد كنا نراهن دوما على استحالة الحرب الأهلية الفلسطينية ويبدو أن الأخوة هناك مصرون على أن نخسر ذلك الرهان وكنا نقول ان البندقية الفلسطينية لم تعرف حتى الأيام الأخيرة إلا وجهة واحدة رغم هوة الخلاف ورغم انف من كان ينفخ تحت النار من عدو أو صديق.

هل تعي فتح وحماس ماذا تعني الحرب الأهلية؟ وما هو الثمن الذي سيدفعونه؟ وماهية الدم الذي سيدوسونه بأرجلهم ؟ لقد كان أولى برجل مثل محمد دحلان ان يكون أكثر تعقلا وان يتصرف بمنطق المسؤول بدلا من استخدام لغة البنادق والتحريض على القتل واستخدام لغة اقل ما توصف بأنها لا تصلح إلا لغوغاء الشارع.

اللغة التي نسمعها من القادة في فلسطين تختلف كثيرا هذه الأيام عن تلك اللغة التي كانت تسود في السابق الرسائل التي توجه اليوم للجماهير رسائل موتورة للغاية وخطيرة وتحمل الكثير من جرعات التهديد والوعيد بانتزاع حياة هذا أو ذاك بل والإشارة لأسماء محددة وهو تصعيد غابت عنه المسؤولية والعقلانية إن كان هناك بقايا منهما.

حركة فتح ما زالت لم تستوعب خسارتها في الانتخابات وتحول الشارع الفلسطيني عنها بعد فضائح الفساد التي أزكمت الأنوف، وحماس بدورها لم تستطع التعامل مع الواقع الجديد الذي وضعها في السلطة واجتمع العالم عليها بشرقه وغربه وحاصرها مع الشعب الفلسطيني ومنع الغذاء والدواء عن الأطفال تماما كما حاصر الشعب العراقي قبل ذلك.

لا نعرف حتى اليوم لماذا لا يتعامل شعب محتل مثل الشعب الفلسطيني فيما بينهم بلغة الحوار والعقل، وماذا يمنع ذلك فهل خلت الساحة الفلسطينية من أناس يتقنون هذه اللغة أم أن الحكم والسلطة كفيلان بتغييب كل ذلك حتى ولو قتل الأخ أخاه.

حماس مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بان تقرر أيهما اشد حرمة الدم الفلسطيني أم السلطة الناقصة المهدورة التي تدوسها إسرائيل يوميا بدباباتها؟ خصوصا إذا استمرت التصريحات الشوارعية ولغة التهديد والاحتكام إلى السلاح الذي تاه وضل وجهته وتسمم نصله.

نتمنى أن تذهب خواطرنا هذه ادراج الرياح ويحتكم الفلسطينيون إلى كلمة سواء والكف عن التشبث بوهم السلطة وتفويت الفرصة على كل شامت ينتظر أن تغوص الأرجل في الدم وحينها فقط يمكن القول «ولات حين مناص».

asmadi@albayan.ae