لماذا لا يبادر فقراء العالم إلى اللقاء والاجتماع مرة كل عام على الأقل لمناقشة قضاياهم وهمومهم على غرار أغنياء العالم الذين يتقاطرون سنوياً في منتجع دافوس الشتوي ويتباحثون في النمو الاقتصادي الذي يعني زيادة معدلات ربحية الشركات التي يرأسونها وكيفية إقناع المستهلكين الفقراء بشراء منتجاتهم دون ان يكون لذلك أي علاقة بتحسين مستوى معيشة الفقراء وتأمين حصولهم على الغذاء والدواء والماء.

المتبصر في مناقشات منتدى دافوس وأجندته السنوية يجدها لا تخرج عن قضايا محددة يكون الاقتصاد في صميمها وأي قضايا سياسية تدخل في هذا الإطار وهي أجندة تكاد تتكرر كل عام بحيث يتم دعوة أغنياء العالم ورؤساء وتنفيذيي الشركات الكبرى للتحدث عن معدلات النمو الاقتصادي وطفراته وأسعار الطاقة وتأمين مصادرها والاستثمار وتحرير التجارة والانفتاح وغيرها وربما مشاريع كبرى لا تهدف سوى زيادة ربحية هذه الشركات والمؤسسات بينما يغرس وحش الجوع أنيابه في 5 ,1 مليار من البشر في العالم.

ولا يخرج منتجع دافوس عن جلسات الحديث وإبراز موهبة المتحدثين الذين يتم اختيارهم بعناية من النخبة في العالم ليتحدثوا عن قصص نجاح شركاتهم دون ان تسهم هذه الخطابات في تقليل أعداد 800 مليون جائع في العالم أو تأمين مياه شرب نظيفة لنحو 1 ,1 مليار نسمة من سكان العالم أو تحسين مستوى ملايين البشر ممن لا يجدون لقمة العيش أو حبة الدواء أو شربة الماء.

لا نقول هذا الكلام لأننا أعداء النجاح أو حباً في الفقر لكن تاريخ منتدى دافوس ومنذ نشأته قبل 37 عاماً لم يقدم شيئاً لهؤلاء الفقراء وهو يحاط عادة بالكثير من المظاهرات ويكفي ان نعلم ان من بين المتحدثين شمعون بيريز مهندس عملية قانا في لبنان التي راح ضحيتها عشرات المدنيين في لبنان ورئيس البنك الدولي بول وولفويتز الذي كان في يوم من الأيام أبرز مساعدي الرئيس بوش وأحد عرابي غزو العراق وأحد صقور المحافظين الجدد في واشنطن لكي نعلم طبيعة المدعوين إلى دافوس.

يتخلل دافوس الذي يعقد سنوياً في أحضان جبال الألب السويسرية مظاهرات تندد به باعتباره وسيلة لاستغلال العالم الثالث وفتح الطرق أمام الشركات الكبرى لزيادة مبيعاتها، وينقسم المنتدى عادة إلى قسمين: الأعضاء وهم كبرى الشركات الاقتصادية في العالم.

والمتحدثون وهم النخبة وعادة هم رؤساء دول وحكومات ممن يجيدون الحديث، وفيه يبدأ زعماء العالم الثالث بالتسول ومناشدة الدعم من الدول الغنية وغالباً ما تذهب هذه المساعدات إلى طرق لا يعرفها الفقراء دون ان ننسى سوس الداخل في كثير من المجتمعات الفقيرة وسوء توزيع الثروات بين أبناء المجتمع الواحد والفساد الذي ينخر في الكثير من هذه الدول.

عندما نقول اننا بحاجة إلى دافوس للفقراء فإن المطلوب تجمع عالمي للشخصيات والمؤسسات التي عرف عنها الاهتمام الفعلي بالفقراء وقضاياهم كأن يتم دعوة نلسون مانديلا مثلاً أو يونس البنغالي صاحب بنوك الفقراء ومؤسسات مثل الصليب والهلال الأحمر وغيرها بحيث يتم مناقشة فعلية لقضايا مثل مكافحة الجوع وتأمين مياه الشرب والدواء ووضع سياسات عملية قابلة للتطبيق تسهم في تحسين معيشة ملايين البشر بدلاً من الحديث عن النمو والازدهار الاقتصادي الذي لا يعرفه سوى أصحاب الياقات المخملية وعملاء فرساتشي وجورجي أرماني اللهم لا حسد.

دافوس يضم صناع القرار في العالم وهم بالفعل أصحاب التأثير فيه سياسياً واقتصادياً لكن العالم لم ير حتى اليوم هذا التأثير الايجابي وبات يتوجب البحث عن بدائل أخرى وتجمعات تنعقد في بؤر الفقر والجوع نفسها بدلاً من شتاء وثلوج دافوس ودفء الفنادق الفاخرة هناك.

asmadi@albayan.ae