بلا شك فإن معارك غزة وسيطرة حماس على القطاع باتت تشكل نقطة انعطاف مفصلية في التاريخ الفلسطيني الحديث والأيام المقبلة ستكون حافلة بالمفاجآت والأحداث كما جرت عليه العادة في القضية الفلسطينية فكل يوم هناك الجديد والمزيد.

كثر الحديث مؤخرا خصوصا لدى الجانب العربي الرسمي عن الشرعية الفلسطينية التي لا نعرف حتى الآن من هو صاحبها هل هو محمود عباس المنتخب شرعيا أم حماس المنتخبة هي أيضا من قبل غالبية الشعب الفلسطيني، والأنظمة العربية الرسمية وبتأثير من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أعلنت أن الشرعية عند ابومازن وهو أمر بحاجة إلى مناقشة حتى نعرف ما هي الشرعية الفلسطينية وما هي شروطها على الأقل في هذه المرحلة.

في حديث لناطق مصري رسمي قبل أيام عن الأحداث التي وقعت في غزة مؤخرا يشير إلى أن ما جرى في غزة هو في الحقيقة ليس صراعا بين فتح وحماس بقدر ما هو صراع بين مجموعة شخص محدد و70 بالمئة من الشعب الفلسطيني وهو يحمل مسؤولية الصراع الى ممارسات خارجة عن القانون قامت بها ميليشيات ذلك الشخص ضد النظام والحكومة الشرعية المنتخبة.

حديث الناطق المصري يعززه أيضا الكثير من التقارير التي تشير إلى انه ومنذ انتخاب حكومة حماس مرورا باتفاق مكة لم تكن هذه الفئة راغبة في الاتفاق وهناك من يتحدث عن تنسيق على أعلى المستويات مع الجانب الإسرائيلي في هذا الصدد.

الموقف هنا ليس تبريرا لما جرى في غزة وهي بالفعل وقائع مؤلمة لا يرضاها احد في مثل هذه الظروف لكن المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة وعلى لسان وزيرة الخارجية الأميركية رايس كانت قد دعت إلى الفوضى المنظمة وهي عبارة لا نعرف تفسيرا لها إلا أنها تحريض و«طخ» على الحكومة المنتخبة التي وجدت نفسها منذ اليوم الأول محاطة بحصار خارجي وطابور خامس وسادس وربما عاشر داخلي همه الأول إفشال هذه التجربة.

السؤال المطروح حاليا هل المشكلة كانت في وجود حكومة أم لا حتى يتم تشكيل حكومة طوارئ فقد كانت هناك حكومات سابقة من أبو قريع إلى حماس لكن الوضع لم يتغير واستمرت أعمال الفوضى تجوب شوارع غزة فماذا يمكن أن تحققه حكومة الطوارئ في ظل وجود تلك الميليشيا خصوصا أنها حكومة مفروضة على الشعب الفلسطيني فرضا ؟

الشعب الفلسطيني هو الخاسر الأكبر من هذه الفتنة سواء انتصرت حماس في غزة أو فتح في الضفة والوضع مرشح أكثر للانفلات مهما تعددت تصريحات المسؤولين الفلسطينيين من كلا الجانبين خصوصا إذا أقدمت إسرائيل على قطع الماء والكهرباء عن غزة ناهيك عن فكرة إعادة الاحتلال التي يحاول اولمرت حفظ ماء وجهه من خلالها بعد التجارب الفاشلة التي مر بها خلال فترة حكمه والتي صنفته على انه أكثر زعماء إسرائيل فشلا.

الموقف العربي كان متسرعا كما هي العادة وأعطى شرعية لطرف على حساب طرف وكان الأكثر جدوى تشكيل لجنة تقصي حقائق ومعرفة المتسبب في هذه الأحداث بدلا من المجاملات المعهودة بين الأطراف العربية. في الختام يبقى السؤال وهو هنا ليس دفاعا عن حماس ماذا لو ثارت فئة معينة أو جماعة ضد نظام عربي قائم ؟

ماذا سيكون رد هذا النظام وأي أسلحة سيستخدم لقمع التمرد والتجارب أثبتت لنا أنها لن تختلف عما قامت به حماس في غزة باعتبارها حكومة ونظاما منتخبا من واجبه حفظ الأمن والنظام.

التاريخ يقول لنا تأسيس الدول والمحافظة على هيبتها يحتاجان إلى القوة في بعض الأحيان والشواهد كثيرة بدءاً من عبدالملك بن مروان مرورا بما قام به بسمارك في الوحدة الألمانية وابراهام لينكولن في مقاومة انفصال الولايات الجنوبية ومن ثم بدء الحرب الأهلية في أميركا ومحافظته على الاتحاد وليس انتهاء بتصميم عبدالعزيز آل سعود على بسط سلطة الدولة في كافة أرجاء الحجاز.

Smadi.ali@gmail.com