الضوء الأميركي الأخضر لوجود فرنسي في العراق ومن قبله للأمم المتحدة التي تجاهلتها أميركا وجعلت منها أضحوكة العالم خلال مرحلة الإعداد لاحتلال العراق تؤشر إلى أن الولايات المتحدة تحاول تأجيل الإعلان عن هزيمتها في تجربتها العراقية او ربما تحاول توريط البقية الباقية من دول العالم مما يضمن لها خروجا حتى ولو بنصف هزيمة.

لكن الوقائع على الأرض عسكريا وسياسيا تشي بخلاف ذلك تماما ففضلا عن الخلافات السياسية والمذهبية بين الأطياف العراقية والتي يعمل على تعميقها يوميا الزعماء والسياسيون فإن الحالة العسكرية لا تحتاج إلى كثير من نظر لندرك ان جميع المبادرات والخطط والاستراتيجيات الأمنية والعسكرية لم تجلب الأمن لمدينة واحدة وهي بغداد فما بالك ببقية العراق في حال سلمنا انه ما زال هناك عراق واحد.

المشروع الديمقراطي الذي أرادت أميركا تقديمه للمنطقة يبدو انه اختزل في المنطقة الخضراء من بغداد حيث لا يجرؤ احد من المسؤولين العراقيين أو الأميركيين الخروج وحده بعد هذه النقطة حتى ولو لقضاء حاجته والأمر ليس على سبيل المبالغة لأن أقوى وأعظم دولة في العالم ما زالت مشلولة تماما وعاجزة عن تقديم الأمن لهذا البلد الذي تسببت في نكبته.

لن تستطيع الولايات المتحدة تجنب الهزيمة المقبلة وهي التي حلمت بالانتصار كما تقول على الإرهاب الذي جلبته معها الى تلك المنطقة حتى ولو جندت كل جيوشها وصواريخها العابرة وطائراتها التي لا ترى وما تعلن عنه يوميا من خطط ومبادرات واتهام للقادة العراقيين بالعجز لا يعد سوى مسكنات هدفها تأجيل الإعلان عن هزيمة كبرى بانتظارها ربما تكون اشد وبالا من فيتنام.

السجال الذي يدور حاليا بين الرئيس بوش ونور المالكي والاتهامات المتبادلة إشارة ناصعة للحال الذي وصلت إليه الأوضاع في العراق حيث يسعى كل طرف لتحميل طرف آخر مسؤولية ما يحدث فتارة الدول المجاورة سوريا وإيران وتارة عجز الحكومة العراقية ومرة عجز الولايات المتحدة وكلها عناوين مختلفة للهزيمة الأميركية المؤجلة في العراق التي لا يريد الرئيس بوش أن يعترف بها حتى اليوم على الأقل.

سيذكر الأميركيون والعراقيون والعالم أجمع أن الرئيس بوش وصديقه بلير هما من دمر هذا البلد وتسبب بخرابه وبكم هائل من الألم لشعبه وإذا كان الرئيس بوش محصنا حاليا ضد الحساب الآن فإن مسؤولية الشعب الأميركي محاسبته بعد خروجه من البيت الأبيض على الجرائم التي ارتكبها بحق العراقيين والأميركيين الذين ألقى بهم في المستنقع العراقي كما أن العالم مطالب أيضا بالعمل على محاسبتهما سواء أمام المحاكم المختصة ووفق إجراءات قانونية أو عبر المحاكمات الشعبية.

مرة أخرى أجد نفسي أعود إلى جوقة المطبلين وحملة الأقلام والعلاقات العامة ممن حملوا راية الدفاع عن الاحتلال الأميركي للعراق وساقوا التهم لكل من وقف ضد الاحتلال أين هم اليوم يا ترى وماذا يقولون بعد أن حولت القوات الأميركية تلك الدولة إلى مستنقعات دموية وأوجدت بامتياز فرق الموت والميليشيات المرتزقة وغيرها من اللصوص وقطاع الطرق الذين يستبيحون دماء الناس يوميا والذين سمعنا عنهم فقط حين جاءت قوات الغزو التي تقف اليوم عاجزة تماما حتى عن حماية حي من بغداد وماذا يقول كولن باول بعد هذه السنوات عن مسرحيته عندما كان وزيرا للخارجية أمام الأمم المتحدة وكيف تعمد الكذب أمام ارفع هيئة دولية مكلفة بحماية الأمن والسلم العالمي.

الكاتب البريطاني روبرت فيسك أشار في احد تقاريره إلى الحالة العراقية بقوله إن العراقيين لا يستحقون دعمنا ويقصد الدعم البريطاني لأننا ببساطة خدعناهم وهي الحقيقة التي بات يشعر بها معظم أبناء الرافدين الذين يجهدون اليوم مع ضنك الحياة للحصول على مياه الشرب رغم وجود الرافدين أو حتى صفيحة صغيرة من الجاز وهم يملكون ثاني اكبر احتياطي نفطي في العالم ناهيك عن الأمن المفقود منذ خمس سنوات عندما خاض الرئيس بوش ونائبه تشيني وصديقهم بلير التجربة العراقية الكارثية.