ألا يحق لنا أن نشعر بالفخر في بلاد العرب، بالذكرى الرابعة لتولي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مقاليد الحكم ودفة القيادة، وأغلب الصحف العالمية وكبريات المؤسسات البحثية اعتبرت سموه واحدا من أكثر القادة إنجازا في العالم، متفردا في القدرة على صنع المنجزات وحاكماً قريبا من الناس، مسكونا بتحديات المستقبل.
لان سموه أدرك بعقلية المفكر المبدع أن الماضي هو الشيء الوحيد الذي لا أحد قادر على تغييره أو إعادة تشكيله، فالمهم هو كيفية بناء الحاضر المشرق ورسم سياقات المستقبل لأجيال قادمة، وهذه الأجيال حقاً هي من ستحمل مشاعل التطوير والتحديث انطلاقا من قاعدة أن الوطن لكل أبنائه والجميع شركاء في النجاح..
ففي رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ومدرسته، لا مكان للكسالى في عصر التحولات السريعة والسباق المعرفي، أو أولئك الذين استوطن الروتين والبيروقراطية في عقولهم، واستكانوا لفكرة أن الزمن وحده كفيل بتحقيق التطور ويجلب لهم العمران، متناسين أن للوقت قواعده الصارمة التي لا يحيد عنها، فمن لم يقطعه تخلى عنه وركنه في مؤخرة القافلة..
جسد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في فكره وعمله، حلم أمة وإرادة وطن.. فمنهجه بسيط وغير متكلف وخالٍ من التنظير والجدال، إذ يقول ببساطة «نحن نعمل ولا نتكلم، ننجز من غير هتافات، ربطنا القول بالفعل».
ولذلك تمكن في فترة قياسية من إرساء ركائز مشروعه النهضوي، بعقل القائد المبدع، لا بعقلية الإداري المقيد. لم يكن هاجسه الملحّ تحقيق الإنجاز فحسب، إنما هو الدقة والإتقان في العمل، وكما يقول نبينا الكريم محمد (ص) {رحم الله امرءاً عمل عملاً فأتقنه}.
ووسط كل معطيات العمل المضني وصعوبات البناء، واجه الفارس الشجاع في بضع سنوات تحديات من العيار الثقيل، ليس أقلها ظلال الأزمة المالية التي عصفت بكل اقتصادات العالم، وزلزلت قلاعا وحصونا عمرت لعقود من الزمن واختفت من الوجود في أيام قلائل. لكن سموه امتاز، وبفضل من الله تعالى، بالقدرة في المحافظة على المنجزات والصروح والقلاع التي أقامها، ومن بعدها انطلق يسعى إلى تنمية جوانب الحياة الأخرى، لتزدهر في سنوات قليلة الثقافة والفنون والآداب والعلوم، حتى تحققت في دبي وعموم الإمارات العربية نهضة علمية ومعرفية مشهودة على جميع المستويات.
كما ركز سموه على العنصر المهم في معادلة التطور، ألا وهو التنمية البشرية التي هي لب كل عناصر البناء والنهضة والعمران، وعمل جاهدا ومن غير كلل على تحسين شروط الموارد وتنويعها، حتى تحول اقتصاد دبي من عنصر واحد إلى اقتصاد نشيط وديناميكي، يقوم على أساس التنوع والتكامل بين عدة قطاعات وأنشطة.
ولم ينس في غمرة البناء، الشق الإنساني الذي لم يغب عن فكره ومنهجه أبداً، فتوالت مبادرات عطاء دبي ومؤسساتها الخيرية، لتصل إلى كل مكان في الأرض وإلى أي إنسان يستغيث، تحمل له البسمة ومشاعل النور والإبصار والدفء وبئر الماء والعلاج ومفاتيح المدرسة وورش التدريب، من غير أن يسأل عن عرقه أو دينه أو شخصه، إلا كونه إنسانا، لأن في جوانحه قلبا رحيما وعقلا نيرا يؤمن بأن الحياة كل لا يتجزأ..
معلّم كبير، لا يستهدف المخطئ لشخصه، إنما يهدف إلى تقويم الخطأ وتصحيح الاعوجاج، ولا ينسى المخلص تكريما وتقديرا. ومن يمكن أن يجاريه في الكرم والعطاء وبهذا تشهد له الدنيا؟
إذن، فكيف لا ينجح بسلاسة في الدخول إلى قلوب الناس، وقد طارت الركبان بشمائله وخصاله الحميدة؟ فهو قبل أن يكون حاكما، بقي إنسانا كبيرا تسابق همته عطاءه، قوي بلا غرور، متواضع من دون ضعف. عرف منذ البداية أن الذين يصادقهم التاريخ قلائل، فأبى أن يمر في هذه الحياة مرور العابرين. فالتاريخ ليس قطارا يركبه كل من يرغب، إنما يختار راكبيه بعناية لينزلهم المكان الذي يستحقونه..
وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد شاعر تصطخب في دواخله شاعرية الفرسان وعزيمة الشجعان في الملمات، وأقرب مثال عندما ظهر سموه على التلفاز، وسط الزوبعة الإعلامية والعاصفة التي هبت على دبي قبل شهور، يجيب سائله شعرا..
لقد كان نصف تاريخنا العربي مواسم للفخر والزهو، وفي يومنا البهي هذا يحق لنا أن نفرح بأن أمة منحتنا فارسا وشاعرا وحاكما وبانياً ومنجزا، شيد بعبقريته وحنكته مدينة العجائب التي هي من أحلى المدن وأرقاها. وإني لأجزم أن سموه سيكون في تاريخنا المشرق الحديث أول من اجتمعت به وتمازجت صفات الشاعر والفارس والحاكم والباني والمنجز، الذي سيحفر التاريخ بأحرف من نور اسمه خالدا منقوشا على صروح الحضارة والعمران.
فدبي اليوم في عهد فارسها ومبدعها، صارت تبتكر حلولا ناجحة للصعوبات والعراقيل، وتتوثب عند كل صباح لقصة نجاح أخرى.. مدينة حاضرة في كل الخرائط العالمية لاعبا أساسيا ورقما صعبا في حسابات الجميع، فأفشلت كل رهانات المشككين وأثلجت صدور المحبين. والعمل في فريق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد لخدمة الوطن، إضافة إلى شرط الكفاءة والحماس، يتطلب أيضا إخلاصاً وضميراً نقياً..
أربع سنوات من الزمن قصيرة في عمر الأوطان، لكن قائدنا وفارسنا ابن هذه الأرض الطيبة، صاحب الهمة العالية وسمو القيم النبيلة، استطاع بحلم العقلاء وشجاعة الفرسان ورؤية الحكماء، أن يرسم على الأرض حلما جميلا، تخيلناه لسنوات طوال.
وفي هذه الذكرى العطرة أقول للفخر والابتهاج معنى، فلأن قائدا وزعيما تمكن في زمن قياسي لم يسبقه إليه أحد من قبل في كل بلدان العالم، أن يعمر ويشيد كل هذا، فإننا نتضرع إلى الله العلي القدير بالدعاء المتواصل، أن يمد في عمره ويوفقه لنرى معه سوية كيف سيكون المستقبل في خمس أو عشر سنوات قادمة..
فلله درك أيها الفارس الشجاع والزعيم العربي، وتهنئة من القلب. إليكم يا سيدي محمد بن راشد، فقد ارتبط اسمكم بكل معاني الشجاعة والإباء والعنفوان.
سلاما لكم في عيدكم أبا المكرمات، رجل التحديات وقاهر الصعوبات.. ومثلما قال الشاعر العربي محمد مهدي الجواهري: «يرقى الجبالَ مصاعباً ترقى به.. ويعافُ للمتحدرين سهولا»...
كاتب عراقي