ربما لا يضيف من يكتب عن موضوع التعليم في الوطن العربي، شيئا جديدا عندما يكرر نفس الأقوال والآراء، التي ما انفكت ليلا نهارا تدعو إلى التنبه لضرورة بذل جهود حقيقية وفعالة تسهم في رسم استراتيجية واضحة المعالم، لها أهداف قابلة للتحقق، وترتبط بسقوف زمنية محددة تخضع للمراجعة والفحص والتقويم المستمر، بهدف إصلاح منظومة التعليم في العالم العربي.

لكن تقارير التنمية الإنسانية الصادرة عن المنظمة الدولية تتوالى، وكذلك البنك الدولي الذي أشار في تقرير له في إبريل 2009 إلى تخلف مستوى التعليم لدينا، مقارنة مع مستواه في بلدان أمريكا اللاتينية وآسيا.

وحذر من أن الأمر بحاجة إلى إصلاحات عاجلة، لعلها تسهم في وضع حد لارتفاع معدلات البطالة الناتج عن تدهور نوعية التعليم في العالم العربي، حيث تضاف في كل سنة فرق من العاطلين إلى ملايين الباحثين عن فرصة عمل، في سوق لم يعد ملائما لتلبية متطلبات النمو في القطاعات الاقتصادية المتنوعة.

وفي السنوات الأخيرة صرنا نلحظ ظاهرة خطيرة، ألا وهي تنامي بطالة الخريجين من حملة الشهادات الجامعية، بل ربما يصل الأمر في بعض البلدان العربية إلى رؤية احتجاجات لحملة الشهادات العليا من درجات الدكتوراه والماجستير، مما يكشف لنا عن وجود فجوة حقيقية في سياسات التعليم، وخلل فاضح في الخطط التعليمية التي تزين مؤتمراتنا وندواتنا التربوية.

وهو ما نسميه باستراتيجيات التربية والتعليم وورش التطوير، وغيرها من الممارسات التي نسمع عنها في وسائل الإعلام من غير أن نرى لها أثرا على أرض الواقع، كما هو حال الأمة في منظماتها الإقليمية والمتخصصة منذ أكثر من خمسين سنة خلت، حيث وصف أحد المشاركين هذه المنتديات والمؤتمرات بأن مفعولها ينتهي بانتهاء الإقامة الفندقية للضيوف.

وربما يصل الأمر الى حد أن المشاركين في هذه الملتقيات والمؤتمرات التي تصدر آلاف التوصيات، يتركون هذه الوثائق والتوصيات في ردهات الفنادق وقاعات النقاش!

إذا كان هدف مؤسساتنا التعليمية فقط تخريج العاطلين، فهذا لوحده ينذر بكارثة مجتمعية كبيرة محدقة بالمجتمعات العربية، ويؤدي الى إرباك خطط التنمية وإفراغها من اي محتوى ايجابي، لتصبح عملية عقيمة وعبثية، وهنا يطرح السؤال المقلق؛ إذن، ما هي الفائدة من برامج وخطط تربوية تملأ الادراج؟

تقرير البنك الدولي يشير الى تحقيق كثير من الخطوات الجيدة، حيث استفاد معظم الاطفال من إقرار قوانين مجانية وإلزامية التعليم الأساسي وتقلص الفجوة بين الجنسين في التعليم، لكن أغلب البلدان العربية ما زالت متخلفة عن كثير من الدول الناشئة، كما أن المنطقة لم تشهد نفس التغير الايجابي في ما يتعلق بمكافحة الأمية ومعدل التسجيل في المدارس الثانوية.

ورغم ما تذكره التقارير الدولية من أرقام مخيفة عن ارتفاع نسبة الأمية وتدهور نوعية التعليم وضعف المناهج ونقص تدريب المعلمين، فهناك أسباب أخرى أيضا لها تأثير سلبي. فما زالت طرق التلقين، مثلا، القائمة على التحفيظ من دون فهم، هي الوسيلة الأزلية في معظم مؤسساتنا التعليمية، مع عدم الاستفادة من ثورة الاتصالات وعولمة سوق العمل الذي يشهد تطورات كبيرة في ظل تنافس معرفي وعلمي كبيرين، إضافة إلى تسرب التلاميذ خلال مراحل التعليم، خصوصا بين الفتيات اللواتي يتركن الدراسة تحت ضغط عوامل اجتماعية.

ويشير التقرير أيضا إلى أن غنى الدولة أو فقرها لا يؤثر على المستوى التعليمي، إذا ما تم ترشيد النفقات وتوجيهها الوجهة الصحيحة. فعلى سبيل المثال احتلت الأردن المرتبة الأولى من حيث التحصيل التعليمي، وخاصة في مادة الرياضيات، من حيث جودة التعليم بين كل الدول العربية، بينما احتلت السعودية المرتبة العاشرة.

ويؤكد تقرير البنك الدولي أن الثقافة الاجتماعية السائدة ودور الأسرة، من العوامل الأساسية في مواصلة التعليم وتحقيق النجاح.

وعلى الرغم من حالات الحروب والصراعات التي يتأثر بها الأطفال والنساء، فإن مناطق قطاع غزة والضفة الغربية في فلسطين المحتلة، رغم ظروف الاحتلال والقتل والتشريد والعوز، تشهد التحاق نسبة 100% في المدارس، مما يحمل المنظمات الدولية والدول المانحة على العمل لتقديم المزيد من المساعدات والدعم للمؤسسات التعليمية في فلسطين وبلدان أخرى تعاني من الحروب والنزاعات.

وانطلاقا مما سبق، نستطع القول إن عملية إصلاح التعليم في العالم العربي، صارت أمرا ملحا وعاجلا، يستلزم تنسيق الجهود وتخصيص الموارد اللازمة.

كاتب عراقي

al.dulaimi@hotmail.com